جاء الخبر في أوّل السنة أنّ ابن الجراح الطّائي خرج على الحاجّ بين سُمَيْراء، وفيد، ونازلهم ثم صالحهم على ثلاثمائة ألف درهم وشيء من الثّياب والمتَاع.
وفيها انتقل شرف الدولة إلى قصر مُعِزّ الدولة بباب الشماسية، لأن الأطباء أشاروا عليه به لصحة هوائه، وكان قد ابتدأ به المرض من السنة الماضية، فشغب الدَّيْلَمُ وطلبوا أرزاقهم، فعاد إلى داره وراسلهم، وأمسك جماعة.
وفيها أراد الطائع القبض على القادر بالله، وهو أمير، فهرب منه إلى البطيحة، فأقام عند مهذب الدولة وتزايد مرض شرف الدولة، ومات، وعهد إلى أخيه أبي نصر، فاجتمع العسكر وطالبوا برسم البَيْعة والنَّفَقَة، فوعدهم، فأبوا، وتردّدت بين الطائع وبين أبي نصر مراسلات، ثم حلف كلّ واحد منهما للآخر على التّصافي، ثم جاء الطائع إلى دار المملكة ليُعزّي أبا نصر فقبّل أبو -[352]- نصر الأرض غير مرّة، ثم ركب أبو نصر إلى الطائع، وحضر الأعيان، وجلس الطائع في الرّواق، وأمر فخُلِع على أبي نصر سبُعَ خِلَعٍ؛ طاقية أعلاها سوداء وعمامة سوداء وفي عُنْقِه طوق كبير، وفي يديه سِوَاران، ومشى الحُجّاب بين يديه بالسّيوف، فلما حصل بين يدي الطائع قبل الأرض ثم أجلس على كرسيّ، وقرأ أبو الحَسَن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النُّعمان كاتبُ أمير المؤمنين عهدَه، وقدَّم إلى الطائع لله لواءه، فعقده، ولقّبه " بهاء الدولة " و " ضياء الملة ". وأقرّ الوزير أبا منصور بن صالحان على الوزارة وخلع عليه.
وكان بهاء الدّولة من رجال بني بُوَيْه رأيا وهيبةً وجلالًا وعقلًا.
وتمالى الأتراك بفارس وتجمّعوا، وأخرجوا صمصام الدولة من مُعْتَقَلهِ. وقد قيل أنّه كُحّل، فالله أعلم بصحة ذلك.
قال أبو النصر العتبي: حمله مملوكه سعادة على عاتقه وانحدر به، فملك به فارس وما والاها، وتتبع أموالها فجباها، ثم تنكر له الذين معه وقدّموا ابن أخيه أبا عليّ، ولقبوه " شمس الدولة " فنهض صمصام الدولة لمواقعتهم، فهزمهم أقبح هزيمة، فخنسوا صاغرين إلى بغداد، وتحرّك بهاء الدولة، وأهمّه شأن الصمصام، وبرز للقتال، فتناوشا الحربَ، وخربت البصرة والأهواز، وجرت أمور يطول شرحُها، ثم حاربه السّلار بَخْتيار بالأكراد الخسروية، فناصبهم صمصام الدولة الحرب، فاختلفت به الوقائع بين تلك الفتن الثائرة والإحَن الغائرة، فكان عقباها أن أجلت عنه قتيلاً، وتذمر بهاء الدولة للحادثة عليه؛ وجهز عسكرا لقتال الأكراد.