تُوُفِّيَ فِيهَا حَبَّةُ بْنُ جُوَيْنٍ الْعُرَنِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ قَيْسٍ الْبَلَوِيُّ.
وَفِيهَا، أَوْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ تُوُفِّيَ سَعِيدُ بْنُ وَهْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الخيواني.
وفيها خرج صالح بن مُسَرِّحٌ التَّمِيمِيُّ، وَكَانَ صَالِحًا نَاسِكًا مُخْبتًا، وَكَانَ يَكُونُ بِدَارَا وَالْمَوْصِلَ، وَلَهُ أَصَحْابٌ يُقْرِئُهُمْ وَيُفَقِّهُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ -[769]- يَحِطُّ عَلَى الْخَلِيفَتَيْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ كَدَأْبِ الْخَوَارِجِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُمَا، وَيَقُولُ: تَيَسَّرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ لِجِهَادِ هذه الأحزاب المتحزبة والظلمة، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْفَنَاءِ إِلَى دَارِ الْبَقَاءِ، وَلا تَجْزَعُوا مِنَ الْقَتْلِ فِي اللَّهِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَيْسَرُ مِنَ الْمَوْتِ، وَالْمَوْتُ نَازِلٌ بِكُمْ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ أَتَاهُ كِتَابُ شَبِيبِ بْنِ يَزِيدَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ شَيْخُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَنْ نَعْدِلَ بِكَ أَحَدًا، وَقَدْ دَعَوْتَنِي فَاسْتَجَبْتُ لَكَ، وَإِنْ أَرَدْتَ تَأْخِيرَ ذَلِكَ أَعْلَمْتَنِي، فَإِنَّ الْآجَالَ غَادِيَةٌ وَرَائِحَةٌ، وَلا آمَنُ أَنْ تَخْتَرِمَنِي الْمَنِيَّةُ وَلَمْ أُجَاهِدِ الظَّالِمِينَ، فَيَا لَهُ غَبْنًا، وَيَا لَهُ فَضْلا مَتْرُوكًا، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ اللَّهَ وَرِضْوَانَهُ. فرد عليه الجواب يحضه عَلَى الْمَجِيءِ، فَجَمَعَ شَبِيبٌ قَوْمَهُ، مِنْهُمْ أَخُوهُ مُصَادٌ، وَالْمُحَلَّلُ بْنُ وَائِلٍ الْيَشْكِرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَجَرٍ الْمُحَلِّمِيُّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَامِرٍ الذُّهْلِيُّ، وَقَدِمَ عَلَى صَالِحٍ وَهُوَ بِدَارًا، فَتَصَمَّدُوا مِائَةً وَعشْرَةَ أَنْفُسٍ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَى خَيْلٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ فَأَخَذُوهَا، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ وَأَخَافُوا الْمُسْلِمِينَ.
وَفِيهَا غَزَا حَسَّانُ بْنُ النُّعْمَانِ الْغَسَّانِيُّ إِفْرِيقِيَّةَ وَقَتَلَ الْكَاهِنَةَ.
وَلَمَّا خَرَجَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ بِالْجِزِيرَةِ نُدِبَ لِحَرْبِهِ عَدِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيُّ، فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمَ عَدِيًّا، فَنُدِبَ لِقِتَالِهِ خَالِدُ بْنُ جَزْءٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعَامِرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، وَانْحَازَ صَالِحٌ إِلَى الْعِرَاقِ، فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ عَسْكَرًا، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ مَاتَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ فِي جُمَادِي الآخِرَةِ، وَعَهِدَ إِلَى شَبِيبِ بْنِ يَزِيدَ، فَالْتَقَى شَبِيبٌ هُوَ وَسَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ، فَانْهَزَمَ سَوْرَةُ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ سَارَ شَبِيبٌ فَلَقِيَ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ، فَاقْتَتَلُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ شَبِيبٌ فَهَجَمَ الْكُوفَةِ، وَقَتَلَ بِهَا أَبَا سُلَيْمٍ مَوْلَى عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالِدَ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقَتَلَ بِهَا عَدِيَّ بْنَ عَمْرٍو، وَأَزْهَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيَّ، ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الْكُوفَةِ فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ الثَّقَفِيَّ ابْنَ عَمِّ الْمُخْتَارِ، فِي جَيْشٍ كَبِيرٍ، فَالْتَقَوْا بِأَسْفَلِ الْفُرَاتِ، فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَ زَائِدَةَ، فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ لِحَرْبِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُ.
وَكَانَ مَعَ شَبِيبِ امْرَأَتُهُ غَزَالَةُ، وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالشَّجَاعَةِ، فَدَخَلَتْ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ تلك المرة وَقَرَأَتْ وِرْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ، -[770]- وَكَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَصْعَدَ الْمِنْبَرَ فَصَعِدَتْ، ثُمَّ حَارَ الْحَجَّاجُ فِي أَمْرِهِ مَعَ شَبِيبٍ، فَوَجَّهَ لِقِتَالِهِ عُثْمَانَ بْنَ قَطَنٍ الْحَارِثِيَّ، فَالْتَقَوْا فِي آخِرِ الْعَامِ، فَقُتِلَ عُثْمَانُ وَانْهَزَمَ جَمْعُهُ بَعْدَ أن قتل يومئذ ممن معه ست مائة نَفْسٍ، مِنْهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ كِنْدَةَ، وَقُتِلَ مِنَ الأَعْيَانِ: عَقِيلُ بْنُ شَدَّادٍ السَّلُولِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ نَهِيكٍ الْكِنْدِيُّ، وَالأَبْرَدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِنْدِيُّ، واستفحل أمر شبيب، وَتَزَلْزَلَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ شَبِيبٍ، وَحَارَ الْحَجَّاجُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَعْيَانِي شَبِيبٌ.