أَصْحَابِكَ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ إِلَى أَمْرِكَ رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ. قَالَ: أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ. قَالَ أَبُو الْبَرَاءِ: أنا لَهُمْ جَارٌ. فَبَعَثَ الْمُنْذَرَ بْنَ عَمْرٍو فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّة، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ؛ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَعُرْوَةُ بن أسماء ابن الصلت السلمي ورافع بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أبي بكر، في رجال من خيار المسلمين، فساروا حتى نزلوا بئر معونة، بين أرض بني عَامِرٍ وَحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ. ثُمَّ بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمْ يَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى قَتَلَ الرَّجُلُ، ثُمَّ استصرخ بني سليم فأجابوه وأحاطوا بالقوم، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى اسْتُشْهِدُوا كُلُّهُمْ إِلا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارتُثَّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَكَانَ فِي سَرْح الْقَوْمِ عَمْرو بْن أُمَيَّةَ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمْ يُخْبِرْهُمَا بِمُصَابِ الْقَوْمِ إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ عَلَى الْعَسْكَرِ، فَقَالا: وَاللَّهِ إِنَّ لِهَذِهِ الطَّيْرِ لَشَأْنًا، فَأَقْبَلا فنظرا، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ لِعَمْرٍو: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: لَكِنِّي لَمْ أَكُنْ لأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَا كُنْتُ لأُخْبِرَ عَنْهُ الرِّجَالَ. وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَسَرُوا عُمَرًا. فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ أَطْلَقَهُ عامر بن الطفيل وجز نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ. فَلَمَّا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ أَقْبَلَ رَجُلانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ حَتَّى نَزَلَا فِي ظِلٍّ هُوَ فِيهِ، وَكَانَ مَعَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجوارٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرٌو، حَتَّى إِذَا نَامَا عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ، لأَدِيَنَّهُمَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، قَدْ كُنْتُ لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوِّفًا، فَبَلَغَ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر أبا براء، فَحَمَلَ رَبِيعَةَ وَلَد أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بن الطفيل فطعنه فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ فَوَقَعَ مِنْ فَرَسِهِ وَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ؛ إِنْ مِتُّ فَدَمِي لِعَمِّي فَلا يُتْبَعَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رأيي.