يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى الْحُسَيْنِ مِطْرَفًا مِنْ خَزٍّ، قَدْ خَضَبَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَلَى الْحُسَيْنِ جُبَّةً مِنْ خَزٍّ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُصِيبَ الْحُسَيْنُ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ الشعبي: رأيت الحسين يخضب بالوسمة ويختم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالْوَسْمَةِ.
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ قَيْسٍ مَوْلَى خَبَّابٍ قَالَ: رَأَيْتُ الحسين يخضب بالسواد.
وقال طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَشَارَنِي الْحُسَيْنُ فِي الْخُرُوجِ، فَقُلْتُ: لَوْلا أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ، فَقَالَ: لأَنْ أُقْتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَسْتَحِلَّ حُرْمَتَهَا - يَعْنِي الْحَرَمَ - فَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَى نَفْسِي عَنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَوْ أَنَّ الْحُسَيْنَ لَمْ يَخْرُجْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا كَانَ رَأْيُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ، وَكلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَصْرَعِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْحَوَادِثِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ الرَّأْسَ قُدِمَ بِهِ عَلَى يَزِيدَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَعْقَلِهِنَّ يُقَالُ لَهَا: رَيَّا، حَاضِنَةُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، يُقَالُ: بَلَغَتْ مِائَةَ سَنَةٍ، قَالَتْ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيدَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْشِرْ؛ فَقَدْ مَكَّنَكَ اللَّهُ من الحسين، قتل وجيء برأسه إليك، قالت: فوضع في طست، فأمر الغلام فكشفه، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رَائِحَةٍ، قَالَ حَمْزَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: أَقْرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟ قَالَتْ: إِيْ وَاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وقد كان حدثني بعض أهلنا أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الْحُسَيْنِ مَصْلُوبًا بِدِمَشْقَ ثَلاثَةَ أيام. -[638]-
وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا أَنَّ الرَّأْسَ مَكَثَ فِي خَزَائِنِ السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث فَجِيءَ بِهِ وَقَدْ بَقِيَ عَظْمًا أَبْيَضَ، فَجَعَلَهُ في سفط وطيبه وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت الْمُسَوِّدَةَ سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ الرَّأْسِ فَنَبَشُوهُ وَأَخَذُوهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِهِ. وَذَكَرَ الْحِكَايَةَ وَهِيَ طَوِيلَةٌ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْمَذْكُورِ.
وَعَنْ أَبِي قَبِيلٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ احْتَزُّوا رَأْسَهُ وَقَعَدُوا فِي أَوَّلِ مَرْحَلَةِ يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ قَلَمٌ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ حَائِطٍ فَكَتَبَ بِسَطْرِ دَمٍ:
أَتَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْنًا ... شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْحِسَابِ
فَهَرَبُوا وَتَرَكُوا الرَّأْسَ.
وَسُئِلَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ قَبْرِ الْحُسَيْنِ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ هُوَ. وَقَالَ الْجَمَاعَةُ: قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ السَّبْتِ.
قُلْتُ: فَيَكُونَ عُمْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَارِيخِ مَوْلِدِهِ سِتًّا وَخَمْسِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ يَرْثِيهِ:
وَإِنَّ قَتِيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَابًا مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يَتَّبِعُوهُ عَائِذَ الْبَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَرَرْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِينَ حَلَّتِ
وَكَانُوا لَنَا غَنَمًا فَعَادُوا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِ
فَلا يُبْعِدُ اللَّهُ الدِّيَارَ وَأهْلَهَا ... وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُمْ بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالْبِلادُ اقْشَعَرَّتِ
يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: أَذَلَّ رِقَابًا؛ أي: ذللها، يعني أنهم لا يرعوون عَنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَ الْحُسَيْنِ، وَعَائِذُ الْبَيْتِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ.