-سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

فيها استولى قراتكيِن على الرَّيّ والجبال، ودفع عنها عسكر ركن الدولة.

وفيها غزا سيف الدّولة بن حمدان بلادَ الروم في ثلاين ألفًا، ففتح حصونًا وَقَتل وسبى وغنم، فأخذ عليه الروم الدرب عند خروجه، فاستولوا على عسكره قتلًا وأسرًا، واسترّدوا جميع ما أخذ، وأخذوا جميع خزائنه، وهرب في عددٍ يسير.

وفيها رُد الحج الأسود إلي موضعه. بعث به القَرْمَطّي مع محمد بن سنَبْر إلى المطيع. وكان بجَكَم قد دفَع فيه قبل هذا خمسين ألف دينار وما أجابوا، وقالوا: أخذناه بأمرٍ وما نردّه إلا بأمر. فلمّا ردّوه في هذه السنة قالوا: رددناه بأمرِ من أخذناه بأمره. وكذبوا، فإنّ الله سبحانه وتعالى قال: " {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} "، فكذبهم الله بقوله: " {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} " وإن عَنَوْا بالأمر القدَرَ، فليس ذلك حُجة لهم، فإنّ الله - تعالى - قدَّر عليهم الضّلال والمُرُوقَ مِن الدين، وقدَّر عليهم أنه يدخلهم النار، فلا ينفعهم قولُهم: أخذناه بأمر. وقد أعطاهم المطيع مالًا، وبقي الحجر عندهم اثنتين وعشرين سنة.

وفيها - قاله المسّبحيّ - وافى سُنْبُر بن الحَسَن إلى مكة ومعه الحجر الأسود، وأمير مكّة معه، فلمّا صار بفناء البيت أظهر الحجر من سفط وعليه ضبات فضة -[641]- قد عُملت من طوله وعرضه، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه، وأحضر له صانعا معه جص يشده به. فوضع سنبر بْن الْحَسَن بْن سنبر الحجر بيده، وشدّه الصّانع بالجصّ، وقال لمّا ردّه: أخذناه بقُدره الله ورددناه بمشيئة الله.

وفيها تُوُفيّ محمد بن أحمد الصَّيْمريّ كاتب معز الدولة ووزيره، فقلّد مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلّبيّ الوزير.

وفي عيد الأضحى قَتَل الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي صاحب الأندلس ولدَه عبد الله، وكان قد خاف من خروجه عليه، وكان من كبار العُلماء،

رَوَى عَنْ: مُحَمَّد بن عَبْد الملك بْن أَيْمَن، وقاسم بن أَصْبَغ. وله تصانيف منها مجلَّد في " مناقب بقَيّ بن مخلد "، رواه عنه مَسلَمَة بن قاسم.

وفيها غزا سيف الدّولة كما قدمنا، فسار في ربيع الأول، ووافاه عسكر طَرَسوُس في أربعة آلاف، عليهم القاضي أبو حُصيْن. فسار إلى قيسارية، ثم إلى الفندق ووغل في بلاد الروم، وفتح عدّة حصون، وسبى وقتل، ثم سار إلى سمندو، ثمّ إلي خَرْشَنَة يقتل ويسبى، ثمّ إلى بلد صارخة وبينها وبين قسطنطينية سبعة أيّام. فلّما نزل عليها واقعَ الدُّمُسْتقُ مقدّمته، فظهرت عليه، فلجأ إلى الحصن وخاف على نفسه. ثمّ جمع والتقى سيف الدّولة، فهزمه الله أقبح هزيمة، وأُسرت بطارقته، وكانت غزوة مشهودة، وغنم المسلمون ما لا يوصف، وبَقَوْا في الغزو أشهُرًا.

ثمّ إنّ الطرسوسيين قفَلوا، ورجع العُربْان، ورجع سيف الدّولة في مضيق صعب، فأخذت الرّوم عليه الدّروب، وحالوا بينه وبين المقدّمة، وقطعوا الشجر، وسدّوا به الطُّرُق، ودهدهوا الصخورَ في المضائق على النّاس. والرّوم وراء النّاس مع الدُّمُسْتقُ يقتلون ويأسرون، ولا منَفَذَ لسيف الدولة. وكان معه أربعمائة أسير من وجوه الروم فضربَ أعناقهم، وعقر جماله وكثيرًا من دوابه، وحَرَقَ الثِّقل، وقاتل قتال الموت، ونجا في نفر يسير. واستباح الدُّمُسْتُق أكثر الجيش، وأسر أمراء وقضاة، ووصل سيف الدّولة إلى حلب، ولم يكد.

ثمّ مالت الروم فعاثوا وسبوا، وتزلزل النّاس، ثمّ لطفَ الله تعالى، وأرسل الدمستق إلى سيف الدّولة يطلب الهدنة، فلم يُجِبْ سيف الدّولة، وبعث يتهدّده. ثمّ جهَّز جيشًا فدخلوا بلاد الروم من ناحية حران، فغنموا -[642]- وأسروا خلقًا. وغزا أهل طرسوس أيضًا في البرّ والبحر، ثمّ سار سيف الدّولة من حلب إلى آمِد، فحارب الروم وخرب الضياع، وانصرف سالمًا.

وأمّا الروم، فإنهم احتالوا على أخذ آمد، وسعي لهم في ذلك نصْرانيّ على أن ينقبَ لهم نقَبَا من مسافة أربعة أميالٍ حتى وصل إلى سورها. ففعل ذلك، وكان نقبًا واسعًا، فوصل إلى البلد من تحت السّور. ثمّ عرفَ به أهلُها، فقتلوا النصْراني، وأحكموا ما نقبه وسَدُّوه.

ومعني " الدُّمُسْتُق " نائب البلاد الّتي في شرقيّ قسطنطينيّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015