تُوُفِّيَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ، وَأَبُو وَاقِدٍ الليثي، وعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وعابس بن سعيد الغطيفي قاضي مصر، وَمَلِكُ الرُّومِ قُسْطَنْطِينُ بْنُ قُسْطَنْطِينَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - في قول. وَتُوُفِّيَ فِيهَا فِي قَوْلٍ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ.
وَفِيهَا عَزَلَ ابْنُ الزُّبْيَرِ أَخَاهُ مُصْعَبًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهَا وَلَدَه حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ جَابِرَ بْنَ الْأَسْوَدِ الزُّهْرِيَّ، فَأَرَادَ مِنْ -[615]- سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ يُبَايِعَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ فَامْتَنَعَ، فَضَرَبَهُ سِتِّينَ سَوْطًا. كَذَا قَالَ خَلِيفَةُ.
وَقَالَ الْمُسَبِّحِيُّ: عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن محمد بن الأشعث بن قيس عن المدينة لكونه ضرب سعيد بْنَ الْمُسَيِّبِ سِتِّينَ سَوْطًا فِي بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَامَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى ذَلِكَ وَعَزَلَهُ.
وَفِيهَا كَانَ مَرْجِعُ الْأَزَارِقَةِ مِنْ نَوَاحِي فَارِسٍ إِلَى الْعِرَاقِ، حَتَّى قَارَبُوا الْكُوفَةَ وَدَخَلُوا الْمَدَائِنَ، فَقَتَلُوا الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَعَلَيْهِمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْمَاحُوزِ، وقد كان قاتلهم عمر بن عبيد الله التيمي أمير البصرة بسابور، ثم ساقوا على حمية إلى العراق، وصاح أهل الكوفة بأميرهم الحارث بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمُلَقَّبُ بِالْقُبَاعِ، وَقَالُوا: انْهَضْ، فهذا عدو ليست له بقية، فَنَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ فَقَالَ: قَدْ سَارَ إِلَيْنَا عَدُوٌّ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ وَالْمَوْلُودَ وَيُخَرِّبُ الْبِلَادَ، فَانْهَضْ بِنَا إِلَيْهِ، فَرَحَلَ بِهِمْ وَنَزَلَ دَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَقَامَ أَيَّامًا حتى دخل إليه شَبَثُ بْنُ رِبعِيُّ فَكَلَّمَهُ بِنَحْوِ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، فَارْتَحَلَ وَلَمْ يَكَدْ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ بُطْءَ سَيْرِهِ رَجَزُوا فَقَالُوا:
سَارَ بِنَا الْقُبَاعُ سَيْرًا نُكْرًا ... يَسِيرُ يَوْمًا وَيُقِيمُ شَهْرًا
فَأَتَى الصَّرَاةَ وَقَدِ انْتَهَى إِلَيْهَا الْعَدُوُّ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ سَارُوا إِلَيْهِمْ قَطَعُوا الْجِسْرَ، فَقَالَ ابْنُ الْأَشْتَرِ لِلْحَارِثِ الْقُبَاعِ: انْدُبْ مَعِي النَّاسَ حَتَّى أَعْبُرَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْكِلَابِ فَأَجِيئُكَ برؤوسهم السَّاعَةَ، فَقَالَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيُّ وَأَسْمَاءُ بْنُ خَارِجَةَ: دَعْهُمْ فَلْيَذْهَبُوا، لَا تَبْدَأُوهُمْ بِقِتَالٍ، وَكَأَنَّهُمْ حَسَدُوا ابْنَ الْأَشْتَرِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ عَمِلَ الْجِسْرَ، وَعَبَرَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ فَطَارُوا حَتَّى أَتَوْا الْمَدَائِنَ، فَجَهَّزَ خَلْفَهُمْ عَسْكَرًا فَذَهَبُوا إِلَى إِصْبَهَانَ، وَحَاصَرُوهَا شَهْرًا حَتَّى أَجْهَدُوا أَهْلَهَا، فَدَعَاهُمْ مُتَوَلِّيهَا عَتَّابُ بْنُ وَرْقَاءَ وَخَطَبَهُمْ وَحَضَّهُمْ عَلَى مُنَاجَزَةِ الْأَزْارِقَةِ فَأَجَأَبُوهُ، فَجَمَعَ النَّاسَ وَعَشَّاهُمْ وَأْشَبَعَهُمْ، وَخَرَجَ بِهِمْ سَحَرًا، فَصَبَّحُوا الْأَزَارِقَةَ بَغْتَةً، وَحَمَلُوا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ -[616]- الْمَاحُوزِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ عِصَابَتِهِ، فَانْحَازَتِ الْأَزَارِقَةُ إِلَى قَطَريِّ بْنِ الْفُجَاءَةِ فَبَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، فَرَحَلَ بِهِمْ، وَأَتَى نَاحِيَةَ كِرْمَانَ، وَجَمَعَ الْأَمْوَالَ وَالرِّجَالَ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَسَيَّرَ مُصْعَبَ لِقِتَالِهِمْ لَمَّا أَكْلَبُوا النَّاسَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ، فَالْتَقَوْا بِسُولَافَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَدَامَ الْقِتَالُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ.
وَفِيهَا كَانَ مَقْتَلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُرِّ، وَكَانَ صَالِحًا عَابِدًا كوفيا، خرج إلى الشام وقاتل مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه رجع إلى الْكُوفَةِ وَخَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ قَوِيَ وَصَارَ مَعَهُ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَاثَ فِي مَالِ الْخَرَاجِ بِالْمَدَائِنِ، وَأَفْسَدَ بِالسَّوَادِ فِي أَيَّامِ الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا كَانَ مُصْعَبُ ظَفِرَ بِهِ وَسَجَنَهُ، ثُمَّ شَفَعُوا فِيهِ فَأَخْرَجُوهُ، فَعَادَ إِلَى الْفَسَادِ وَالْخُرُوجِ، فَنَدِمَ مُصْعَبُ وَوَجَّهَ عَسْكَرًا لِحَرْبِهِ فَكَسَرَهُمْ، ثُمَّ فِي الْآخِرِ قُتِلَ.