-سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

فيها: تمكَّن الرّاضي بالله وقلَّدَ ابنَيه المشرقَ والمغربَ، وهما أبو جعفر وأبو الفضل. واستكتب لهما أبا الحُسين عليّ بن محمد بن مُقْلَة.

وفيها: بلغ الوزير أبا عليّ بن مُقْلَة أنْ ابن شَنَبُوذ المقرئ يغّير حروفًا مِن القرآن، ويقرأ بخلاف ما أُنْزِل. فأَحضره، وأحضر عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف القاضي، وأبا بكر بن مجاهد، وجماعة من القُرّاء، ونُوظِرَ، فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونَسَبَهم إلى الجهل، وأنّهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر. فأمرَ الوزير بضربه، فنُصب بين الهِنبازَيْن وضُرِب سبْع دِرَر، وهو يدعو على الوزير بأن تُقْطَع يده، ويشتّت شمله. ثمّ أوقف على الحروف الّتي قيل إنّه يقرأ بها، فأهْدِرَ منها ما كان شنيعًا، وتوّبوه غصْباً. وكتب عنه الوزير محضرًا.

ومّما أُخِذَ عليه: " فامضوا إلى ذكر الله في الجمعة " و " كان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينةٍ صالحة غصْبًا "، " وتكون الجبال كالصّوف المنفوش "، " تّبت يدا أبي لهب وقد تبّ "، " فلمّا خرّ تبيّنت الإنسُ أنّ الجنَّ لو كانوا يعلمون الغيبَ لَما لبِثوا حَوْلاً في العذاب المهين "، " والذّكر والأنثى ". فاعترفَ بها. ولا ريبَ أنّها قد رُويت ولم يخترعْها -[416]- الرّجلُ من عنده. وقيل: أنّه نُفي إلى البصرة، وقيل: إلى الأهواز. وكان إمامًا في القراءة.

وفي ربيع الأوّل شغبت الجُنْد، وصاروا إلى دار محمد بن ياقوت، وطلبوا أرزاقهم، فأغلظ لهم، فغضبوا وهمّوا به، فدافع عنه غلمّانّه، وقام إلى دار الحُرَم. فجاء الوزير وسكّنهم. ثمّ عادوا في اليوم الثّاني وخرجوا إلى الصّحراء، وعاونتهم العامّة. فعبَروا إلى الجانب الغربيّ، وفتحوا السّجون والمُطْبق، وأخرجوا مَن بها، وعظُمت الفتنة، وشرع القتال، ونُهِبت الأسواق. وركب بدر الخَرشني ليكُفَّهُم، فرموه بالنّشّاب. واتَّفقَت الحُجَريّة والسّاجيّة، وقصدوا دار الخليفة فمنعهم الحُجّاب، فكاشفوا محمد بن ياقوت وقالوا: لا نرضى أنّ تكون كبير الجيش. وحاصَروا دار الخليفة أيّامًا، ثمّ أرضاهم، فسكنوا.

وفيها: قبض الرّاضي على محمد بن ياقوت، وأخيه المظفّر، وأبي إسحاق القراريطيّ، وأخذ خطّ القراريطي بخمسمائة ألف دينار.

وعظُم شأن الوزير ابن مُقْلَة، واستقلَ بالدّولة، ثمّ شَغَبَ الجُنْد عليه ونهبوا داره، فأرضاهم بمال.

وفيها: أخرجَ المنصور إسماعيل العُبَيْدي يعقوب بن إسحاق في أُسطول من المهديّة عدّته ثلاثون حربيًّا إلى ناحية إفرنجة، ففتح مدينة جَنَوَة، ومرّوا بجزيرة سَرْدَانية، فأوقعوا بأهلها وسَبوا وأحرقوا عدّة مراكب، وقتلوا رجالها، وأسرعوا بالخروج إلى جَنَوة، وحرّقوا مراكب قرسقة، ونقبوا أسوار جَنَوة، واستولوا على المدينة، وقتلوا، وأسروا ألف امرأة، وقدِموا بالغنائم إلى المهديّة.

وفي جُمَادى الأوّلى جرت فتنة عظيمة من البَرْبهاري الحنبليّ وأصحابه، فنوديَ أن لا يجتمع أحدٌ من أصحاب البَرْبهاريّ. وحُبِس منهم جماعة واستتر الشيخ. فقيل: إنهم صاروا يكبسون دُور الأمراء والكُبراء، فإنّ رأوا نبيذًا أراقوه، وإنّ صادفوا مغنيةً ضربوها، وكسروا آلة الملاهي، وأنكروا في بيع النّاس وشرائهم، وفي مشْي الرجال مع الصّبيان. فَنَهاهُم -[417]- متولّي الشرطة، فما التفتوا عليه: فكتب الرّاضي توقيعًا يزجُرُهم ويوبّخهم باعتقادهم: وأنّكم تزعمون أنّ الله على صُوَركم الوحشة، وتذكرون أنّه يصعد وينزل. وأُقسم: إنْ لم تنتهوا لأقتلنَّ فيكم ولأُحَرّقنّ دُوركم.

وفي الشّهر هبّت ريح عظيمة ببغداد، واسودَّت الدنيا وأظلمت من العصر إلى المغرب برعدٍ وبَرْق.

وفيه شَغَب الجُنْد بابن مُقْلة وهمّوا بالشّرّ.

وكان سعيد بن حمدان قد ضمِن المَوْصل وغيرها سِرّاً من ابن أخيه الحسن بن عبد الله بن حمدان، وخلع عليه ببغداد، فخرج سعيد في صورة أنّه يساعد ابنُ أخيه في الضّمان في خمسين فارسًا، فدخل الموصل فخرج ابنُ أخيه مظهِراً لتَلَقِّيه. ومضى العمّ إلى دار ابن أخيه فنزلها، وسأل عنه فقيل: خرج لتَلَقّيك. فجلس ينتظره، فلمّا علم الحسن بأنّ عمّه في داره وجّه غلمّانَه فقبضوا عليه وقيَّدوه، ثمّ قتله بعد أيام. وتألَّم له الرّاضي، وأمرَ أبا عليّ بن مُقْلَة بالخروج إلى الموصل، والإيقاع بالحَسَن. فخرج في جميع الجيش واستخلَف ابنَه ابا الحُسين موضعه. فلمّا قرُب من المَوْصل نزح عنها الحسن في شعبان، فتبِعَه ابن مُقْلَة، فصعِد الجبل ودخل بلد الزّوزانّ، فاستقرّ ابن مُقْلَة بالموصل يستخرج أموالًا، ويستسلف من التُّجّار على غلات البلد، فاجتمع له أربعمائة ألف دينار. فاحتال سهل بن هاشم كاتب الحسن، وكان مقيماً ببغداد، فبذل لولد ابن مُقْلَة عشرة آلاف دينار حتّى يكتب إلى أبيه بأنّ الأمور بالحضرة مضطّربة، فانزعج الوزير وسار إلى بغداد، فدخل في ذي القعدة.

وفيها: وقعوا برجلٍ قد أخذ البيعة لجعفر ابن المكتفي، وبذل أموالًا عظيمة، فقُبِض عليه وعلى جعفر، ونُهب منزل جَعْفَر.

وعاد الحسن بن عبد الله بن حمدان إلى الموصل بعد حرب تمّ له مع جيش الخليفة وهزمهم، وكتب إلى الخليفة يعتذر.

وخرج الرَّكْبُ العراقيّ ومعهم لؤلؤ يَخْفُرُهم، فاعترضهم أبو طاهر القَرْمَطِيّ، فانهزم لؤلؤ وبه ضربات. فقتل القَرْمطي الحاجّ وسبى الحُرَم، والتجأ الباقون إلى القادسيّة، وتسلّلوا إلى الكوفة. -[418]-

وفي ذي القعدة انقضت النجوم سائر الليل انقضاضاً عظيماً ما رؤي مثله.

وفي ذي الحِجّة مات الأمير أبو بكر محمد بن ياقوت في الحبْس حتْف أنفه.

وفيها: غلا السِّعْر ببغداد حتّى أبيع كَرّ القمح بمائةٍ وعشرين دينارًا.

وفيها: قدِم غلمّان مرداويج الدَّيْلَمي إلى بغداد، وفيهم بَجْكم، فخافت الحُجَريّة منهم.

ثمّ إنّ محمد بن رائق أمير واسط ونواحيها كاتَبَهم، فأتوا إليه، فأكرمهم وقدَّم عليهم بَجْكَم، وأفرط في الإحسان إليه، وأمره بمكاتبة جُنْد الجبال ليَقْدَمُوا عليه. ففعلوا، فصار عنده عدّة كبيرة، وتمكّن وجبى الخراج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015