في أوّلها دخل أبو طاهر القَرْمَطيّ الرحبة بالسيف واستباحها، وبعثَ أهلُ قرقيسيا يطلبون الأمان فآمنهم. وقصد الرقة وهو في تسعمائة فارس وثلاثمائة راجل، فقتل فيها جماعةً بالربض، ودفعه أهلها عَنْهَا.
فسار مؤنس من بغداد إلى الرَّقَّةِ، فأتاها بعد انصراف أَبِي طاهر. ثم أتى هيت، فرموه بالحجارة، فقتلوا أبا الرواد من خواص أصحابه. فسار إلى الكوفة، فنهض نَصْر الحاجب بالعساكر وراءه، فمرض نَصْر. فاستخلف أحمد بْن كَيَغْلَغ وبعث معه بالجيش فانصرف القَرْمَطيّ قبل أنّ يلقاه. ومات نَصْر في رمضان وحمل إلى بغداد.
واستعفى عليّ بْن عيسى من الوزارة، فاستوزر أبو عليّ بْن مُقْلَة الكاتب.
ورجع القَرْمَطيّ فبني دارًا سمّاها دار الهجرة، ودعا إلى المهديّ، وتفاقم الأمر، وكثر أتباعه، وبث السَّرايا، فهرب عمّال الكوفة عَنْهَا. فسار هارون بْن غريب إلى واسط، فظفر بسرِيّةٍ لهم فقتلهم، وبعث إلى بغداد بأساري وبمائة وسبعين رأسًا وأعلام بيض منكسة عليها مكتوب: " {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمة ونجعلهم الوارثين} ". ففرح النّاس واطمأنوا.
وفيها: وقعت الوحشة بين المقتدر ومؤنس، ووقع الكلام بأن هارون بن غريب يتولّى إمرة الأمراء، فكتب أخصاء مؤنس إِلَيْهِ إلى الرَّقَّةِ بذلك، -[217]- فقدم بغداد في آخر السنة، ولم يات إلى المقتدر، فبعث إِلَيْهِ ولده والوزير ابن مُقْلَة، فوصفا شوق المقتدر إِلَيْهِ، فاعتل بعلة. وظهرت الوحشة بينه وبين المقتدر، فأقام هارون منابذًا لمؤنس، وجعلت الرسل تتردد بين المقتدر ومؤنس.
ولم يحجّ أحدٌ في هذه السنة خوفًا من القرامطة.
وأمّا الروم فإن الدمستق لعنه الله سار في ثلاثمائة ألف على ما قرأت في تاريخ عتيق، فقصد ناحية خلاط وبدليس فقتل وسبى، ثم صالحه أهل خلاط عَلَى قطيعة، وهي عشرة آلاف دينار، وأخرج المنبر من جامعها وجعل مكانه الصليب. فإنّا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون.