في ثاني عشر المحرم عارض أبو طاهر بْن أَبِي سَعِيد الْجَنَّابيّ رَكْبَ العراق قريبًا من الهبير، وعمره يومئذ سبْع عشرة سنة، وهو في ألف فارس وألف راجل. وكان في الركب أبو الهيجاء عَبْد اللَّه بْن حمدان، وأحمد بْن بدر عمّ السيّدة، وشقيق الخادم، فأسرهم الْجَنَّابيّ وأخذ الأموال والجِمال والحريم، وسارَ بهم إلى هَجَر، وترك بقيّة الركب، فماتوا جوعًا وعطشًا إلّا القليل. وبلغ الخبر بغداد، فكثر فيها النَّوح والبكاء.
وضعُف أمر ابن الفُرات واستدعى نصرا الحاجب يستشيره بعدما أساءَ -[208]- إِلَيْهِ فقال: الآن تستشيرني بعد أنّ عرضت الدولة للزوال بإبعادك مؤنسًا؟ وأخذ يعنفه، ثم التفت إلى المقتدر وقال: الآن كاتب مؤنسًا ليُسرع إلى الحضرة فكتبَ.
ووثبت العامّة عَلَى ابن الفُرات ورجمت طيّارته بالآجر وصاحوا عَلَيْهِ: أنت القرمطي الكبير. وامتنع الناس من الصَّلَوات في المساجد.
وسار ياقوت الكبير إلى الكوفة ليضبطها، وأنفق في جنده خمسمائة ألف دينار. فقدم مؤنس ودخل عَلَى المقتدر، فلما عاد إلى داره ركب إِلَيْهِ ابن الفُرات للسّلام عَلَيْهِ، ولم تجر بذلك عادة الوزراء قبله. فخرج مؤنس إلى باب داره، وخضع لَهُ وقبّل يده.
وكان في حبْس ابنه المحسّن جماعة صادرهم، فخاف العزل وأن يظهر عَلَيْهِ ما أخذ منهم، فأمر بذبح عَبْد الوهّاب بْن ما شاء اللَّه، ومؤنس خادم حامد، وسم إبراهيم أخا عليّ بْن عيسى، فكثر ضجيج حُرَم المقتولين عَلَى بابه.
ثم إنّ المقتدر قبض عَلَى ابن الفُرات وسلمه إلى مؤنس، فرفعه مؤنس وخاطبه بالجميل وعاتبه، فتذلل لَهُ وخاطبه بالأستاذ فقال: الساعة تخاطبني بالأستاذ، وأمس تخرجني إلى الرَّقَّةِ عَلَى سبيل النَّفْيِ؟! واختفى المحسّن وصاحت العامّة وقالوا: قبض عَلَى القرمطي الكبير، وبقي الصغير. واعتقل ابن الفُرات وآلهُ بدار الخلافة.
واستوزر عَبْد اللَّه بْن محمد الخاقانيّ. وشغبت العامّة وقالوا: لَا نرضى حتّى يُسَلّم ابن الفُرات إلى شفيع اللُّؤلُؤيّ. فتسلمه شفيع. وكان الخاقانيّ قد استتر أيام ابن الفُرات خوفًا منه. وأمر المقتدر بتسليمه إلى الخاقاني، فعذب بني الفُرات، واصطفى أموالهم، فقيل: أخذ منهم ألفي ألف دينار.
ثم ظفر بالمحسن وهو في زيّ امرأة، قد اختضب في يديه ورجليه، فعذب وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار.
فاتفق مؤنس، وهارون بْن غريب الخال، ونصر الحاجب عَلَى قتل ابن الفُرات وابنه، وكاشفوا المقتدر فقال: دعوني أفكر، فقالوا: نخاف شغب القواد والناس. فاستشار الخاقانيّ، فقال: لَا أدخل في سفك الدّماء، والمصلحة حملهما إلى دار -[209]- الخلافة، فإذا أمنا أظهرا المال.
ثم لم يزالوا بالمقتدر حتّى أمر بقتلهما. فبدأ نازوك بالمحسّن فقتله، وجاء برأسه إلى أَبِيهِ، فارتاع. ثمّ ضربَ عنقه.
وعاش ابن الفُرات إحدى وسبعين سنة، وابنه ثلاثًا وثلاثين سنة، وعاشا بعد حامد الوزير ستة أشهر.
ثم إنّ القَرْمَطيّ أطلق أبا الهيجاء بن حمدان، فقدم بغداد. وبعث القرمطي يطلب من المقتدر البصرة والأهواز. فذكر ابن حمدان أنّ القَرْمَطيّ قتل من الحَجّاج ألفي رَجُل ومائتين، ومن النساء ثلاثمائة، وبقي في أسره بهجر مثلهم.
وفيها: فتحت فرغانة عَلَى يد والي خُراسان.
وأطلق أبو نَصْر وأبو عبد الله ولدا أَبِي الحَسَن بْن الفُرات وخلع عليهما. وقد وزر ابن الفُرات ثلاث مرات، وملك من المال ما يزيد عَلَى عشرة آلاف ألف دينار، وأودعَ المال عند وجوه بغداد. وكان جبّارًا فاتكًا، وفيه كرم وسياسة.