82 - أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الريوندي

82 - أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الرِّيوَنديُّ [الوفاة: 291 - 300 ه]

الملحِد، صاحب الزَّندَقة.

كان حيًّا إلى حدود الثلاثمائة، وكان يلازم الرّافضة والمُلْحِدَة، فإذا عُوتب قال: إنما أريد أن أعرف مذاهبهم، ثمّ كاشَف وناظر، وصنَّف في الزَّنْدقة لعنه الله.

قال الإمام أبو الفرج ابن الْجَوْزيّ: كنت أسمع عنه بالعظائم، حتّى رأيت له ما لم يخطر مثله على قلب، وَوَقَعَتْ إليَّ كُتُبُه، فمنها: كتاب " نَعْت الحكمة "، وكتاب " قضيب الذَّهَب "، وكتاب " الزُّمُرُّدة "، وكتاب " الدّامغ "، الذي نقضه عليه أبو عليّ محمد بن إبراهيم الْجُبَّائيّ، ونقض عليه أبو الحسين عبد الرّحيم بن محمد الخيّاط كتاب " الزُّمُرُّدَة ". -[903]-

قال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل وقد صنف الدامغ؛ يدمغ به القرآن، والزُّمُرُّدَة يُزْري فيه على النُّبُوّات؟.

قال ابن الجوزي: نظرت في " الزُّمُرُّدَة " فرأيت له فيه من الهَذَيان البارد الذي لا يتعلّق بشُبْهة، يقول فيه: إنّ كلام أَكْثَم بن صيفي فيه شيء أحسن من سورة " الكَوْثر ". وإنّ الأنبياء وقعوا بطَلْسَمَات، وقد وضع كتابًا لليهود والنَّصارى يحتجّ لهم في إبطال نُبُوَّة نبينا صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو عليّ الْجُبّائيّ: كان السّلطان قد طلب أبا عيسى الوَرَّاق، وابن الريوندي؛ فأمّا الورّاق فحُبس حتى مات، وهرب ابن الريوندي إلى ابن لاوي اليهوديّ، ووضع له كتاب " الدامغ "، يطعن به على القرآن، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثمّ لم يلبث إلا أيّامًا حتّى مرض ومات إلى اللعنة. وعاش أكثر من ثمانين سنة.

وقال ابن عقيل: عاش ستًّا وثلاثين سنة.

قلت: وقد سرد ابن الجوزي من زندقته أكثر من ثلاث ورقاتٍ، صنت هذا الكتاب عنها، ثمّ رأيت ترجمته في ابن النجار، فقال: أبو الحسين بن الرَّاوَنْديّ المتكلم من أهل مرو الروذ سكن بغداد، وكان من متكلّمي المعتزِلة، ثمّ فارقهم وَتَزَنْدَق.

وقيل: كان أبوه يهوديا، فأسلم هو، فكان بعض اليهود يقول لبعض المسلمين: لا يفسد هذا عليكم كتابكم، كما أفسد أبوه علينا التوراة.

وذكر أحمد بن أبي أحمد القاص الطبري أنّ ابن الرّاوَنْديّ كان لا يستقرّ على مذهب، ولا يَثْبُت على انتحال، حتّى صنَّف لليهود كتاب " النصرة على المسلمين " لأربعمائة درهم فيما بَلَغَني، أخذها من يهود سامرّاء، فلمّا أخذ المال رام نَقْضَها، حتى أعطوه مائتي دِرْهَم، فسكت.

قال البلخي في محاسن خراسان: أحمد بن يحيى الريوندي المتكلّم، لم يكن في زمانه من نُظرائه أحذق منه في الكلام، ولا أعرفَ بدقيقه وجليله منه، وكان أوّل أمره حسن السيرة، جميل المذهب، كثير الحياء، ثمّ انسلخ من ذلك كله لأسباب عرضت له؛ ولأن علمه كان أكبر -[904]- من عقله، وقد حُكى عن جماعة أنّه تاب عند موته، وأكثر كتبه صنفها لأبي عيسى اليهوديّ، وفي منزل أبي عيسى مات.

قال ابن النّجّار: ولأبي عليّ الْجُبّائيّ عليه رُدُودٌ كثيرة.

ومن قوله في حديث عمّار: " تقتلك الفئة الباغية " قال: المنجمون يقولون مثل هذا.

وقال: في القرآن لحن.

وله كتاب في قدم العالم ونفي الصانع، وقال في القرآن: لا يأتي أحدٍ بمثله؟ هذا كتاب إقليدس لا يأتي أحدٍ بمثله، وكذلك بطليموس في أشياء جمعها لم يأت أحدٌ بمثلها.

قلت: هذه دعاوٍ كاذبة.

وعن الحسن بن علي الحسيني قال لأبي الحسين الراوندي: أنت أحذق الناس، فلو اختلفت معنا إلى المبرد. فقال: نبهتني.

فكان بعدُ يختلف إلى المبرد، فسمعت أبا العبّاس المبرد يقول: هذا أبو الحسين يختلف إليّ منذ شهر، فلو اختلف سنة احتجت أن أقوم من مجلسي هذا وأجلسه فيه.

قال ابن جميل: أنشدنا أبو الحسين أحمد بن يحيى الراوندي:

أليس عجيبا بأن امرأ ... لطيف الخصام دقيق الكلم

يموت وما حصلت نفسه ... سوى علمه بأنه ما علم

قال ابن النجار: بلغني أن ابن الراوندي هلك في سنة ثمانٍ وتسعين ومائتين، أبعده الله وأسحقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015