-سنة ثلاث وثمانين ومائتين

توفي فيها: إسحاق بن إبراهيم بن سنين الخُتُّليّ، وسهل بن عبد الله التُّسْتَرِيُّ الزاهد، والعباس بن الفضل الأسفاطي، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وعَليُّ بْن محمد بْن عَبْد الملك بْن أَبِي الشَّوارب القاضي، ومحمد بن سُلَيْمَان الْبَاغَنْدِيُّ، ومحمد بن غالب تَمْتَام، ومقدام بن داود الرعيني.

وفي أولها خرج المُعْتَضِد إلى المَوْصِل بسبب هارون الشاري، وكان الحسين بن حَمْدَان قد قَالَ له: إنْ أَنَا جئتُ بهارون إليك فليَ ثلاثُ حوائج. قَالَ: اذكرها. قَالَ: تُطلق أبي، والحاجتان أذكرهما بعد أن آتي به. قَالَ: لك ذلك. قَالَ: أريد أنتخب ثلاث مائة فارس. قَالَ: نعم. وخرج الحسين يطلب هارون حَتَّى انتهى إلى مخاضةٍ في دجلة، وكان معه وَصيف الأمير، فَقَالَ لوصيف: ليس لهارون طريق يهرب منه غير هَذَا، فقِف هاهنا، فإنْ مرَّ بك فامنعه من العبور. قَالَ: نعم. ومضى الحسين فالتقى مع هارون، فقتل جماعة وهرب هارون، وأقام وصيف على المخاضة ثلاثاً، فقال أصحابه: قد طال مقامنا. ولسنا نأمن أن يأخذ الحسين هارون فيكون له الفتح له دوننا، فالصواب أن نمضي في آثارهم. فأطاعهم ومضوا. وجاء الشاري إلى المخاضة فَعَبَرَ، وجاء الحسين في إثره فلم ير وصيفاً، ولم يعرف لهارون خبرا، فبلغه أَنَّهُ عبر دِجْلة، -[652]- فعبر خلفه. وجاء هارون إلى حيٍّ من العرب، فأخذ دابة ومضى، وجاء الحسين فسألهم فكتموه، فَقَالَ: المُعْتَضِد في إثري؛ فأخبروه بمكانه، فاتَّبعه في مائة فارس، فأدركه. فناشده هارون الشاري وتوعَّده، فألقى الحسين نفسه عليه، وأسره، وجاء به إلى المُعْتَضِد، فأمر بفك قيود حَمْدَان والتوسعة عليه. ورجع بهارون إلى بغداد، وخلع على الحسين بن حَمْدَان وطوّقه، وعُمِلَت قِباب الزّينة، وركَّبوا هارون فيلًا بين يدي المُعْتَضِد، وازدحم الخَلْق حَتَّى سقط كرسي الجسر الأعلى ببغداد، فغرق خلق كثير. وكان على المُعْتَضِد قِباء أسود، وعِمَامة سوداء، وجميع الأمراء يمشون بين يديه.

وفيها ولي طغج بن جف إمرة دمشق لجيش الطولوني.

وفيها وصلت تَقَادُم عمرو بن اللَّيث أمير خراسان، فكانت مائتي حمل مال ومائتي جمارة وغير ذلك من التحف.

وفيها خلع المعتضد على حمدان بن حمدون وأطلقه.

وفيها كُتِبَت الكتب إلى الآفاق، بأن يورَّث ذَوُو الأرحام، وأن يبطل ديوان المواريث، وكثُر الدُّعاء للمعتضد. وكان قد سأل أبا حازم القاضي عن ذلك، فقال: " وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ "، فَقَالَ المُعْتَضِد: قد رُوِيَ عدم الرد عن الخُلفاء الأربعة. فَقَالَ أبو حازم: كَذِب الناقلُ عنهم؛ بل كلهم ردوا، هم وجميع الصحابة، سوى زيد بن ثابت، وكان زيد يُخفيه حَتَّى مات عمر، وَهُوَ مذهب فقهاء التابعين ومن بعدهم. ولم يذهب إلى قول زيد غير الشافعي في أحد القولين، والقول الآخر كالجماعة. فَقَالَ المُعْتَضِد: اكتبوا بذلك إلى الآفاق.

وفيها خرج عمرو بن اللَّيْث من نَيْسَابُور، فهاجمها رافع بن هَرْثَمَة وخطب بها لمحمد بن يزيد العلوي، فعاد عمرو ونزل بظاهر نيسابور محاصراً لها.

وفيها وثب الْجُنْدُ من البربر على جيش بن خمارويه، وقالوا: تنح عن الأمر لنُولي عمَّك، فكلمهم كاتبه عَليَّ بن أحمد المادرائي، وسألهم أن ينصرفوا عنهم يومهم، فانصرفوا. فغدا جيش على عمه أبي العشائر، فضرب عُنقه وعُنُق عمٍ له آخر، ورمى برؤوسهما إليهم. فهجم الجند على جيش -[653]- فذبحوه، وذبحوا أمه، وانتهبوا الدار، وأجلسوا أخاه هارون مكانه.

وفيها هزم عمرو بنُ اللَّيْث رافعَ بن هرْثَمَة، وساقَ وراءه إلى أن أدركه بخوارزم فقتله بها. وكان المُعْتَضِد قد عزله سنة سبعٍ وسبعين عن خُراسان، وولى عليها عمرو بن اللَّيْث، فبقي رافع بالرِّي. ثُمَّ إِنَّهُ هادن الملوك المجاورين له يستعين بهم على عَمْرو، ودعا إلى العلوي ثم سار إلى نيسابور، فواقعه عمرو في ربيع الآخر من هذه السنة، وهزمه إلى أبِيورد، وقصد رافع أن يخرج إلى مَرْو أَوْ هراة، ثُمَّ دخل نَيْسَابُور، فأتى عَمْرو فحاصره بها، فهرب رافع وأصحابه على الجمازات إلى خُوَارِزْم في رمضان، فأحاط به أمير خُوَارِزْم وقتله في سابع شوال، وبعث برأسه إلى عَمْرو بن اللَّيْث، فنفذه إلى المعتضد.

ولم يكن رافع ولدا لهرثمة، وإنما هو زوج أمه، فنُسب إليه، وَهُوَ رافع بن تُومَرْد. وَصَفَتْ خراسان لعمرو بن الليث.

وفيها دخل جيش بن خمارويه مصر، فقال الأمراء: لا نرضى بك ونريد عمك أبا العشائر، فوثب وقتل عمه، فشاش الناس ووقع حريق ونهب، فوثب هارون في جماعة على أخيه فقتله، واستولى على مصر، قَالَ ربيعة بن أحمد بن طولون: لما دخل ابن أخي جيش مصر قبض عَليَّ وعلى عمَّيه مُضر وشيبان، وحبسنا، ثُمَّ إِنَّهُ أخذ أخانا مُضر فأدخله بيتًا، وجوعه خمسة أيام، ثُمَّ دخل علينا ثلاثة من غلمان جيش، فقالوا: مات أخوكم؟ قلنا: لا ندري.

فدخلوا عليه البيت، فرماه كل واحدٍ بسهم، فقتلوه وأغلقوا علينا الباب، وتركونا يومين بلا طعام، فظننا أَنَّهُم يُهلكوننا بالجوع. فسمعنا صُراخًا في الدار، ففتحوا علينا، وأدخلوا إلينا جيش بن خُمَارَوَيْه، فقلنا: ما جاء بك؟ قَالَ: غَلبني أخي هارون على مصر. فقلنا: الحمد لله الذي قبض يدك وأضرع خدك. فَقَالَ: ما كان في عزمي إِلا أن أُلْحِقَكُما بأخيكما. وبعث إلينا هارون أن نقتله بأخينا، فلم نفعل، وانصرفنا إلى دُورِنا، فبعث إليه من قتله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015