121 - بقي بن مخلد بن يزيد، أبو عبد الرحمن الأندلسي القرطبي الحافظ،

121 - بَقِيّ بْن مخلد بْن يزيد، أبو عَبْد الرَّحْمَن الأندلُسيّ القُرْطُبيّ الحافظ، [الوفاة: 271 - 280 ه]

أحد الأعلام؛ وصاحب " التّفسير " و " المسند ".

أَخَذَ عَنْ: يحيى بْن يحيى اللَّيثي، ومحمد بْن عِيسَى الأعشي. وارتحل إِلَى المشرق ولقي الكبار،

فَسَمِعَ بالحجاز: أَبَا مُصْعَب الزُّهريّ، وإبراهيم بْن المنذر الحِزاميّ، وطبقتهما.

وبمصر: يحيى بْن بُكَيْر، وزهير بْن عبّاد، وأبا الطّاهر بْن السَّرح، وطائفة.

وبدمشق: إِبْرَاهِيم بْن هشام الغسّانيّ، وصَفْوان بْن صالح، وهشام بْن عمّار، وجماعة.

وببغداد: أَحْمَد بْن حنبل، وطبقته.

وبالكوفة: يحيى بْن عَبْد الحميد الحِّمانيّ، ومحمد بْن عَبْد الله بْن نُمَيْر، وأبا بَكْر بْن أبي شَيْبَة وطائفة.

وبالبصرة من: أصحاب حمّاد بْن زَيْد.

وقد فتَّشت فِي " مُسْنَد " بَقِيّ لأظفر له بحديثٍ عن أَحْمَد بْن حنبل فلم أجد ذلك، وما دخل بغداد إلّا سنة نيّفٍ وثلاثين، بعد موت عليّ بْن الْجَعْد، وكان أَحْمَد قد قطع الحديث في سنة ثمانٍ وعشرين وإلى أن مات.

وقد روى بَقِيّ عَنْ: حكيم بْن سيف الرَّقيّ، ومحمد بْن أبان الواسطيّ، وداود بْن رُشَيْد، ووَهْب بْن بقيّة، وإبراهيم بن محمد الشّافعيّ، وسويد بْن سَعِيد، وهُدْبة القَيْسيّ، ومحمد بْن أبي السَّريّ، ومحمد بْن رمح، وحرملة، وشيبان بْن فرُّوخ، وعبد الأعلى بن حمّاد النَّرسيّ، وجبارة بن المغلّس، وعبيد الله بْن مُعَاذ، وأبي كامل الجحدري، وأبي خيثمة، وحجاج بْن الشاعر، وهارون الحمال، وهذه الطبقة. وعُني بالأثر عناية لا مزيد عليها، وعدد شيوخه مائتان وأربعة وثمانون رجلًا.

وَعَنْهُ: ابنه أَحْمَد، وأيوب بْن سُلَيْمَان المري، وأحمد بْن عَبْد الله الأموي، وأسلم بْن عَبْد الْعَزِيز، ومحمد بْن وزير، ومحمد بْن عُمَر بْن لبابة، والحسن بْن سعد الكناني، وعبد الله بْن يُونُس المرادي، وعبد الواحد بْن حمدون، وهشام بْن الْوَلِيد الغافقي، وآخرون. -[522]-

وكان إمامًا زاهدًا، صوامًا، صادقًا، كثير التهجُّد، مجاب الدَّعوة، قليل المثل. وكان مجتهدًا لا يقلّد أحدا بل يفتي بالأثر. وقد أَخَذَ بإفريقية عَنْ: سَحْنُون بْن سَعِيد.

قَالَ أَحْمَد بْن أبي خيثمة: ما كُنَّا نسميه إلّا المكنسة، وهل احتاج بلدٌ فِيهِ بقيُّ إِلَى أن يأتي إِلَى ها هنا منه أحد؟

وقَالَ طاهر بْن عَبْد الْعَزِيز: حملت معي جزءا من " مسند بقيّ " إِلَى المشرق، فأريته محمد بْن إِسْمَاعِيل الصائغ، فقال: ما اغترف هَذَا إلّا من بحر، وعجب من كثرة علمه.

وقَالَ إِبْرَاهِيم بن حيُّون، عن بقيّ، قال: لمّا رجعت من العراق، أجلسني يحيى بْن بُكَيْر إِلَى جنبه، وسمع مني سبعة أحاديث.

وقَالَ أبو الوليد ابن الفرضيّ: ملأ بقيّ بْن مخلد الأندلس حديثًا، فأنكر عليه أصحابه الأندلسيُّون، ابنُ خَالِد، ومحمد بْن الْحَارِث وأبو زيد ما أدخله من كتب الاختلاف وغرائب الحديث، فأغروا به السُّلطان، وأخافوه به. ثُمَّ إنّ الله أظهره عليهم وعصمه منهم؛ فنشر حديثه وقرأ للناس روايته.

ثُمَّ تلاه ابن وضّاح، فصارت الأندلس دار حديث وإسناد. وممّا أنفرد به، ولم يدخله سواه " مصنَّف أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة "، وكتاب " الفقه " للشّافعيّ بكماله، و " تاريخ خليفة "، وكتابه الكبير فِي " الطبقات "، وكتاب " سيرة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز " للدَّورقيّ؛ وليس لأحدٍ مثل مُسْنَده. وكان ورعًا فاضلًا زاهدًا، قد ظهرت له إجابات الدعوة فِي غير ما شيء.

قَالَ: وكان المشاهير من أصحاب ابنِ وضّاح لا يسمعون منه، للذي بينهما من الوحشة. وُلِدَ فِي رمضان سنة إحدى ومائتين، ومات لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين؛ ورّخه عبد الله بن يونس.

وقَالَ الحافظ ابنُ عساكر: لم يقع إليّ حديث مسند من حديثه. -[523]-

قال محيي الدّين ابن العربيّ: الكرامات منها نطق بالكون قبل أن يكون، والإخبار بالمغيبات، وهي على ثلاثة أضرب: إلقاء، وكتابة، ولقاء، وكان بقيّ بْن مخلد، رحمه الله، قد جمعها، وكان صاحبًا للخضر، شهر هَذَا عَنْهُ. ذكره فِي مواقع النّجوم، ثمّ شطح المحيي فقال: وعاينا جماعة كذلك، وشاهدناها من ذاتنا غير مَرَّة، ومن هَذَا المقام ينتقلون إِلَى مقامٍ يقولون فِيهِ للشيء كن فيكون بإذن الله.

وقَالَ محمد بن حزم: أقطع أنّه لم يؤلَّف في الإسلام مثل تفسيره، لا تفسير محمد بْن جرير، ولا غيره.

قَالَ: وكان محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الأموي صاحب الأندلس محبّا للعلوم، عارفا، فلمّا دخل بقيّ الأندلس بمصنَّف ابن أبي شيبة، وقرئ عليه، أنكر عليه جماعة من أَهْل الرأي ما فِيهِ من الخلاف واستبشعوه، ونشَّطوا العامة عليه، ومنعوه من قراءته، فاستحضره الأمير محمد المذكور، وأتاهم، وتصفح الكتاب كله جزءًا جزءًا، حَتَّى أتى على آخره، ثُمَّ قَالَ لخازن الكتب: هَذَا كتابٌ لا تستغني خزانتنا عَنْهُ، فانظر فِي نسخه لنا. وقَالَ لبقي: أنشر علمك، وارو ما عندك، ونهاهم أن يتعرَّضوا له.

وَقَالَ أَسْلَمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: حدثنا بقيّ قال: لما وضعت مسندي جاءني عبيد الله بن يحيى بْنُ يَحْيَى، وَأَخُوهُ إِسْحَاقُ فَقَالا: بَلَغَنَا أَنَّكَ وَضَعْتَ مُسْنَدًا قدَّمت فِيهِ أَبَا مُصْعَبٍ الزُّهريّ، وَيَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ، وَأَخَّرْتَ أَبَانَا؟ فَقَالَ بَقِيٌّ: أمّا تقديمي أبا مصعب، فَلِقَوْلِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قدِموا قُرَيْشًا وَلا تقدَّموها "، وَأَمَّا تَقْدِيمِي ابْنَ بُكَيْرٍ، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَبِّرْ كَبِّرْ "، يُرِيدُ السّنَّ، وَمَعَ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُوَطَّأَ مِنْ مَالِكٍ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَأَبُوكُمَا لَمْ يَسْمَعْهُ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَخَرَجَا وَلَمْ يَعُودَا، وَخَرَجَا إِلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ.

ولأبي عبد الملك أحمد بن محمد بْن عَبْد البر القرطبي، المتوفَّى سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة، كتابٌ فِي أخبار علماء قرطبة، ذكر فِيهِ بقي بن -[524]- مخلد، فقال: كان فاضلا تقيّا صوَّاما قواما متبتلا، منقطع القرين فِي عصره، منفردًا عن النَّظير في مصره. كان أوّل طَلَبِهِ عند محمد بْن عِيسَى الأعشى، ثمّ رحل فروى عن أَهْل الحَرَمَيْن، ومصر، والشام، والجزيرة، وحلوان، والبصرة، والكوفة، وواسط، وبغداد، وخراسان - كذا قَالَ فغلط، لم يصل إِلَى خُراسان - قَالَ: وعدن، والقيروان.

قلت: وما أحسبه دخل اليمن.

قَالَ: وذكر عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد، عن أَبِيهِ، أنّ امرأة جاءت إلى بقيّ فقالت: ابني فِي الأسر، ولا حيلة لي، فلو أشرت إلى من يفديه، فإنّني والهة. قَالَ: نعم، انصرفي حَتَّى أنظر فِي أمره. ثُمَّ أطرق وحرّك شفته، ثُمَّ بعد مدة جاءت المرأة بابنها، فقال: كنت فِي يد ملك، فبينا أَنَا فِي العمل سقط قيدي، فذكر اليوم والساعة، فوافق وقت دعاء الشَّيْخ. قَالَ: فصاح عليَّ المرسم بنا، ثُمَّ نظر وتحيَّر، ثُمَّ أحضر الحداد وقيَّدني، فَلَمَّا فرغه ومشيت سقط، فبهتوا ودعوا رهبانهم، فقالوا: ألك والدة؟ قلت: نعم. قَالُوا: وافق دعاؤها الإجابة، وقد أطلقك الله، فلا يمكننا تقييدك، فزوّدوني وبعثوني.

قَالَ: وكان بقيّ أوّل من كثر الحديث بالأندلس ونشره، وهاجم به شيوخ الأندلس، فثاروا عليه لأنهم كان علمهم المسائل ومذهب مالك، وكان بقيّ يفتي بالأثر، ويشذ عَنْهُمْ شذوذًا عظيمًا، فعقدوا عليه الشهادات وبدَّعوه، ونسبوا إليه الزَّندقة وأشياء نزَّهه الله منها.

وكان بقيّ يقول: لقد غرست لهم بالأندلس غرسًا لا يقلع إلاّ بخروج الدّجّال.

قال: وقال بقيّ: أتيت العراق، وقد منع أَحْمَد بْن حنبل من الحديث، فسألته أن يحدثني، وكان بيني وبينه خلّة، فكان يحدثني بالحديث بعد الحديث فِي زي السؤال، ونحن خلوة، حَتَّى اجتمع لي عنه نحوٌ من ثلاثمائة حديث. -[525]-

وقال ابن حزم: مسند بقيّ روى فيه عن ألفٍ وثلاثمائة صاحب ونيف، ورتَّب حديث كل صاحبٍ على أبواب الفقه، فهو مُسْنَد ومصنَّف، وما أعلم هَذِهِ الرُّتبة لأحدٍ قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله فِي الحديث، وله مصنَّف فِي فتاوى الصّحابة والتّابعين فمن دونهم، الّذي أربى فِيهِ عليّ مصنف أبي بَكْر بْن أبي شَيْبَة وعلى مصنَّف عَبْد الرّزّاق، ومصنَّف سَعِيد بْن مَنْصُور.

ثُمَّ ذكر تفسيره وقَالَ: فصارت تصانيف هَذَا الْإِمَام الفاضل قواعد الْإِسْلَام لا نظير لها، وكان متخيرًا لا يقلد أحدًا. وكان ذا خاصة من أَحْمَد بْن حنبل، وجاريًا فِي مضمار الْبُخَارِيّ، ومسلم، وأبي عَبْد الرَّحْمَن النَّسائيّ.

وقَالَ أبو عَبْد الملك القرطبي في تاريخه: كان بقيّ طولا أقْنى، ذا لحية، مضبَّرا، قويًّا، جلدًا على المشي، لم ير راكبًا دابة قط، وكان ملازمًا لحضور الجنائز، متواضعًا. وكان يقول: إنّي لأعرف رجلًا كان يمضي عليه الأيام فِي وقت طلبه العلم، ليس له عيش إلّا ورق الكرنب الَّذِي يرمى، وسمعت من كل من سمعت منه فِي البلدان ماشيًا إليهم على قدمي.

قلت: وَهِمَ من قَالَ إنّه تُوُفِّيَ سنة ثلاثٍ، بل تُوُفِّيَ سنة ستَّ وسبعين كما تقدَّم.

قال ابن لبابة: كان بقيّ من عقلاء النّاس وأفاضلهم، وكان أسلم بْن عبد العزيز يقدّمه على جميع من لقيه بالمشرق، ويصف زهده، ويقول: ربّما كنت أمشي معه فِي أزقة قرطبة، فإذا نظر فِي موضعٍ خالٍ إِلَى ضعيفٍ محتاجٍ أَعْطَاه أحد ثوبيه.

وذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقيّ يختم القرآن كل ليلةٍ فِي ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدَّهر، وكان كثير الجهاد، فاضلًا؛ يذكر عَنْهُ أنه رابط اثنتين وسبعين غزوة. -[526]-

ونقل بعض العلماء من كتاب حفيده عَبْد الرحمن بن أحمد بن بقيّ: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكّة إِلَى بغداد، وكان جلَّ بغيته ملاقاة أَحْمَد بْن حنبل، قَالَ: فَلَمَّا قربت بلغتني المحنة، وأنّه ممنوع، فاغتممت غمّا شديدا، فاحتللت بغداد واكتريت بيتًا فِي فندق، ثُمَّ أتيت الجامع، وأنا أريد أن أجلس إِلَى النّاس، فدفعت إلى حلقةٍ نبيلة، فإذا برجلٍ يتكلَّم فِي الرجال، فَقِيلَ لي: هَذَا يحيى بن معين، ففرجت لي فرجةً، فقمت إليه، فقلت: يا أَبَا زكريا - رحمك الله - رَجُل غريب ناءٍ عن وطنه، يحبُّ السُّؤال فلا تستجفني، فقال: قل، فسألت عن بعض من لقيته، فبعضًا زكّى، وبعضًا جرَّح. فسألته عن هشام بْن عمّار، فقال لي: أبو الْوَلِيد صاحب صلاة دمشق، ثقة وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر أو متقلدا كبرًا ما ضره شيئًا لخيره وفضله. فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال. فقلت وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجلٍ واحد: أَحْمَد بْن حنبل. فنظر إليَّ كالمتعجّب، فقال لي: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد؟ ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم. فخرجت أستدلّ على منزل أحمد، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إليَّ، فقلت: يا أَبَا عَبْد الله رَجُل غريب نائي الدّار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث، ومقيَّد سنّة، ولم تكن رحلتي إلّا إليك. فقال: أدخل الأصطوان، ولا يقع عليك عين. فدخلت، فقال لي: وأين موضعك؟ قلت: المغرب الأقصى. قَالَ: إفريقية؟ فقلت له: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إِلَى إفريقية، الأندلس. قَالَ: إنّ موضعك لبعيد، وما كان شيء أحبُّ إليَّ من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك، فقلت له: بلى، لقد بلغني، وهذا أوّل دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فإن أذنت لي أن آتي كلَّ يوم فِي زيّ السّؤال، فأقول عند الباب ما يقوله السؤال، فتخرج إِلَى هَذَا الموضع، فلو لم تحدثني كل يوم إلّا بحديث واحدٍ لكان لي فِيهِ كفاية. فقال لي: نعم، على شرط أن لا تظهر في الحلق، ولا عند المحدِّثين، فقلت: لك شرطك. فكنت آخذ عودًا بيدي، وألف رأسي بخرقةٍ مدنسَّة وآتي بابه، فأصيح: الأجر، رحمكم الله، والسُّؤال هناك كذلك، فيخرج إليَّ -[527]- ويغلق الباب، ويحدثني بالحديثين، والثلاثة، والأكثر، فالتزمت ذلك حتّى مات الممتحن له وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أَحْمَد وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقصّ على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرؤه علي وأقرؤه عليه، واعتللت، فعادني فِي خلقٍ معه. وذكر هذه الحكاية أطول من هَذَا، نقلها ابنُ بشكوال فِي غير الصلة، وأنا نقلتها من خط أبي الْوَلِيد بْن الحاج شيخنا.

وقَالَ أيضًا: نقلت من خط حفيده عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بن بقيّ: حدَّثني أبي قَالَ: أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجلٍ طوال جدا، فسألته عنه، فقال: أرجو أن تكوني امْرَأَة صالحة، ذاك الخضر عليه السلام.

وذكر عَبْد الرَّحْمَن عن جَدّه أشياء، فالله أعلم، وقال: كان جدي قد قسّم أيامه على أعمال البر، فكان إذا صلى الصُّبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف سدس القرآن. وكان أيضًا يختم القرآن فِي الصلاة فِي كل يوم وليلة، ويخرج كل ليلة فِي الثلث الأخير إِلَى مسجده، فيختم قرب انصداع الفجر، وكان يصلّي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جدًا، ثُمَّ ينقلب إِلَى داره، وقد اجتمع فِي مسجده الطَّلبة، فيجدد الوضوء ويخرج إليهم، فإذا انقضت الدُّول صار إِلَى صومعة المسجد، فيصلي إِلَى الظهر، ثُمَّ يكون هُوَ المبتدئ بالأذان ثُمَّ يهبط، ثُمَّ يسمع إِلَى العصر ويصلي ويسمع، وربما خرج فِي بقية النهار، فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر، فإذا غربت -[528]- الشمس أتى مسجده، ثُمَّ يصلى ويرجع إِلَى بيته فيفطر.

وكان يسرد الصَّوم إلا يوم الجمعة، ثُمَّ يخرج إِلَى المسجد، فيخرج إليه جيرانه، فيتكلم معهم فِي دينهم ودنياهم، ثُمَّ يصلى العشاء، ويدخل بيته، فيحدِّث أهله، ثُمَّ ينام نومة قد أخذتها نفسه، ثُمَّ يقوم، هَذَا دأبه إِلَى أن تُوُفِّيَ. وكان جلدًا، قويًا على المشي، مواظبًا لحضور الجنائز، ولم يُرَ راكبًا قط، ومشى مع ضعيفٍ فِي مظلمة إِلَى إشبيلية، ومع آخر إِلَى إلْبيرة، ومع امْرَأَة ضعيفة إِلَى جَيّان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015