568 - أبو حاتم العطار. البصري العارف،

568 - أبو حاتم العطّار. الْبَصْرِيّ العارف، [الوفاة: 261 - 270 ه]

أحد مشايخ الطّريق بالبصرة.

قَالَ ابنُ الَأعرابي: لم يبلُغْنا أنه كان في عصره أحد يُقَدَّم عليه فِي العلم بهذه المذاهب، وكان مع ذلك لازماً لسوقه وتجارته. يركب الحمار ويدل في العطارين، غير متمكن من الدنيا متجمل، إلا أنه رزق هذه المذاهب حتى نأى عن غيره، وتَلْمَذَ له من كان بالبصرة ممن هو أسن منه. وكان البغداديون يدخلون البصرة يقصدون مجلسه منهم محمد بن وهب، ويعقوب الزيات، ورزيق ابن النفاط، وغيرهم. وكان ظاهره ظاهر التّجار والعامّة منبسطًا معهم، فإذا تكلم كان غير ذلك. أخبرني محمد بن علي: أنه سمع أبا حمزة البغدادي ربما ذكر أبا حاتم، وكان يتكلم يوم الجمعة، فيقول فِي كلامه: لا تسألوني عن حالي، واعْفوا لي عن نفسي. حسابي على غيركم. اجعلوني كالفتيلة أحرق نفسي وأُضيء لكم. وكان لا يظهر عليه خشوع ولا تنكيس رأس ولا لباس. وكان من أهل السنة والإثبات، يُزْري على الغسّانيّة وأهل الأوراد وأخْذِ المعلوم، كما يذمّ أَهْل الدُّنيا ومن يأوى إِلَى الأسباب، ويقول: من لم يكن الله الغالب على قلبه، فإنّما يعبد هواه ونفسه.

وكان يقول: من ذكر الله نسي نفسه. ومن ذكر نعمة الله نسي غيره.

وكان عامة كلامه بالمعاني. ويقول: الأبطال فِي النُّجوم، والسّرائر فِي القلوب. وتحتاج تتوب من توبتك وتعبد الله له لا لك. ويْحَك كم تبكي وتصيح، صحح واسترح. السياحة بالقلوب، وسير الشواني سفر لا ينقضي. دع الإحصاء والعدد، وصم للدنيا وأفطر للآخرة.

وقال مرة لأبي تراب: ما جازت ساحتك أوطار الأرض.

وكان يقول، إذا رَأَى عليهم الفُوَط والّأبْراد الصوف، وهم يُصَلّون: قد نشرتم أعلامكم وضربتم طُبُولكم، فليت شعري فِي اللّقاء أيّ رجال أنتم. -[462]-

قال لي رُزَيق النّفّاط، أو غيره: رَأَيْت أَبَا حاتم بيده عطْر يعرضه للبيع، فسألته عن مسألة، فقال: لكلّ مقامٍ مقال، ولكن اصْبِر حَتَّى أفرغ. وكان إذا فرغ جلس يوم الجمعة، اجتمع إليه الصوفية وأصحاب الحديث والغرباء، وكبار عامة أهل مسجد البصرة، وجميع الطبقات. وكان الّذين يلزمون حلقته: ابن الشريطي. وأبو سعيد ابن الغَنَويّ، والمَرْزُوقيّ. وكان الغَنَويّ يميل إِلَى شيءٍ من الكلام ويعرفه. وكان فِي المسجد طائفة من النساك يُنْكِرون على أَهْل المحبّةِ لمّا يبلغهم من التخليط، وكانوا أهل حديث، وكلهم يستحلي أبا حاتم رحمه الله ويُعْجبه كلامه لِرِقَّته، ولقَوْله بالسنة ومخالفته الغسّانيّة. وكانوا يميلون إليه وهم: عبد الجبار السُّلَمّي، والحسن بْن المُثَنَّى، وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم، والْجُذُوعيّ. كلّ هَؤُلَاء صوفيّة المسجد من أهل السنة والحديث ينتحلون النُّسُك والأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنْكَر. وكان لهم بالبلد قدرٌ وهَيْبة.

وقَالَ السُّلَمّي: كان أبو حاتم العطّار أستاذ الْجُنَيْد وأبي سَعِيد الخرّاز. وكان من جِلّة مشايخهم مِن أقران أبي تراب النَّخْشبيّ. وهو أول من تكلّم بالعراق فِي علوم الإشارات.

وعن محمد بْن وهْب، قَالَ: دخلت البصرة أَنَا ويعقوب الزَّيَّات، فأتينا أَبَا حاتم العطّار، فدقَقْنا الباب، فقال: من هَذَا؟ قلت: رَجُل يقول الله. فخرج ووضع خدّه على الأرض، وقَالَ: بقي مَن يُحْسِن يقول الله!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015