546 - يحيى بْن محمد بْن يحيى بْن عَبْد الله بْن خَالِد بْن فارس، الشَّهيد أبو زكريا الذُّهليّ النَّيسابوري. [الوفاة: 261 - 270 ه]
شيخ نَيْسابور بعد والده ومفتيها، ورأس المطَّوّعة. من الغزاة بها.
سَمِعَ: يحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، وجماعة ببلده، وإبراهيم بْن مُوسَى بالرِّيّ، وأبا الوليد الطَّيالسيّ، وسليمان بن حرب، وعليّ بن عثمان اللاّحقيّ، ومسدَّدا بالبصرة، وأحمد بْن حنبل، وعليّ بْن الْجَعْد، وطائفة ببغداد، -[448]- وإسماعيل بْن أبي أُوَيْس، وسعيد بْن مَنْصُور، وجماعة بالحجاز.
روى عَنْهُ: أَبُوهُ، والحسين بْن محمد القبّانيّ، وإبراهيم بن أبي طَالِب، وابن خُزَيْمَة، ومحمد بْن صالح بْن هانئ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم، وآخرون.
وكان لقبه: حَيْكان.
قَالَ الحاكم: حيْكان الشّهيد إمام نيسابور في الفتوى والرياسة، وابن إمامها، وأمير المطَّوَّعة بخُراسان كان يسكن بدار أَبِيهِ ولكلٍّ منهما فيه صَوْمعة وآثار لعبادتهما.
وكان أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ قد ورد نَيْسابور ويحيى رئيس بها والغزاة يتصدرون عن رأيه.
وكانت الطاهرية قد رفعت من شأنه وصيرَّته مطاعاً، فلم يُحسِن أَحْمَد الصُّحبة معه، وقصد الوضْع منه. ومع هذا فكان أحمد يجتهد في التّمكُّن من الإمارة والاستبداد بالأمور دون عِلْم يحيى، فكان لا يقدر، فَلَمَّا قدم بشروية تمكَّن فَلَمَّا خرج عن البلد تشوّش النّاس. وعرض يحيى بضعة عشر ألفًا، وحاربوا قُوّاد الخجستانيّ وطردوهم. وقتلوا أمّ أحمد. فلمّا رجع أحمد تطلب يحيى وقتله.
سمعت أَبَا عَبْد الله بْن الأخرم يقول: ما رَأَيْت مثل حيْكان لا رحِمَ الله قاتله.
وسمعت محمد بْن يعقوب يقول: خرج أَحْمَد بْن عَبْد الله الخُجُسْتانيّ هاربًا من نَيْسابور، فَلَمَّا خشي أهلُها رجوعَه اجتمعوا على باب حَيْكان يسألونه القيام لمنع الخُجُسْتانيّ، فامتنع. فَمَا زالوا به حَتَّى أجابهم. فعرضوا عليه زهاء عشرة آلاف. ورجع أحمد الخجستانيّ فتفرّقوا عن حَيْكان، فطُلِبَ، فخاف وهرب، فبينا هُوَ يسير في قافلة بين الجمّالين وهو بزيِّهم إذ عُرِف. فأُخِذَ وَأَتَوْا به إلى الخُجُسْتانيّ، فحبسه أيّامًا، ثُمَّ غيِّب شخصهُ، فَقِيلَ: إنّه بنى عليه جدارًا، وقِيلَ: قتله سرًّا.
سمعت أبا عليّ محمد بن أحمد بْن زَيْد خَتن حَيْكان على ابنته يقول: دخلنا على أبي زكريّا بعد أن رُدّ من الطريق فقال: اشترك فِي دمي خمسة: -[449]- العباسان، وابن ياسين، وبشرويه، وأحمد بْن نصر اللّبّاد.
سمعت أَبَا بَكْر الضبعي يقول: سمعت نوح بن أحمد يقول: سمعت الخُجُسْتانيّ يقول: دخلت على حيكان فِي محبسه على أن أضربه خشبات وأُطْلقه، فلما قربت منه قبضت على لحيته، فقبض على خصيتي حتى لم أشك أنّه قاتلي، فذكرت سكيناً في خفي، فجردتها وشَقَقْتُ بطْنه.
سَمِعْتُ محمد بْن صالح بْن هانئ يَقُولُ: حضرنا للإملاء عند يحيى بْن محمد فِي رمضان، وقُتِل في شوال سنة سبع وستين، فرفضت مجالسُ الحديث، وخُبِّئت المحابر، حَتَّى لم يقدر أحد يمشي بمحبرة ولا كراريس إِلَى سنة سبعين، فاحتال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل رحمه الله فِي ورود السَّرِيّ بْن خُزَيْمَة، وعقد له مجلس الإملاء، وعلَّى المحبرة بيده، واجتمع عنده خلقٌ عظيم حَتَّى حضر ذلك المجلس.
قَالَ محمد بن عبد الوهاب الفراء: يحيى لا نستطيع أن نشكره نَحْنُ ولا أعقابنا؛ أنّ رجلًا جعل نحره لنا ونحن مطمئنون نعبد ربنا.
قَالَ صالح بْن محمد الحافظ فِي كتابه إِلَى أبي حاتم الرَّازيّ: كتبت تسألني عن أحوال أهل العلم بنيسابور وما بقي لهم من الإسناد، فاعلم أنّ أخبار الدّين وعلم الحديث دون سائر العلوم اليوم مطروح مجفوّ، وحماله وأهل العناية به فِي شغل بالفِتَن الّتي دَهَمَتْهم وتواترت عليهم عند مقتل أبي زكريا يحيى بْن محمد بْن يحيى، وقد مضى لسبيله، ولم يخلف أحدا مثله. ولزِم كلّ خاصّة نفسه. ومرقت طائفة ممّن كانوا يُظْهرون السنة فصارت تَدِين بدين ملوكها.
وقال أبو عَمْرو أَحْمَد بْن الْمُبَارَك المُسْتَملي: رَأَيْت يحيى فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غفر لي. قلت: فالخجستاني؟ قال: في تابوت من نار والمفتاح بيدي. قلت: بقي الخجستاني بعده سنة واحدة، وقتله غلمانه كما تقدم.