فيها تُوُفيّ: أَحْمَد بْن طولون صاحب مصر، وأحمد بْن عَبْد الله ابن البَرْقيّ، وأحمد بْن المقدام الهَرَويّ، وإبراهيم بْن مرزوق الْبَصْرِيُّ، وأسيد بْن عاصم، وبكّار بْن قُتَيْبَةَ القاضي، والحسن بْن عليّ بْن عفان العامريّ، وداود الظّاهريّ الفقيه، والربيع بْن سُلَيْمَان المراديّ، وزكريّا بْن يحيى المَرْوَزِيّ، وعبّاس بْن الْوَلِيد البَيروتيّ، وأبو البَخْتَرِيّ عَبْد الله بْن محمد بْن شاكر، ومحمد بن إِسْحَاق الصّغانيّ، ومحمد بْن ماهان زنبقة، ومحمد بْن مُسْلِم بْن وَارَةَ، ومحمد بْن هشام بن ملاس.
وفيها وصل لؤلؤ الطُّولوني فِي جيشٍ عظيم نجدةً للموفق فِي المحرّم، فكانت بين الموفَّق وبين الخبيث وقعةٌ أوهنت الخبيث، ثُمَّ وَقْعَةٌ أخرى قُتِلَ فيها الخبيث وعجل الله بروحه إِلَى النّار.
وهو عليّ بْن محمد المدَّعي أنّه علويّ، وَقِيلَ: اسمه بَهْبُوذ. قد ذكرنا وقائعه مع الموفَّق وحصاره الزّمن الطّويل له، إلى أن اجتمع مع الموفَّق زهاء ثلاثمائة ألف مقاتل مطَّوّعة وَفِي الديوان. فَلَمَّا كان فِي ثاني صفر، وقد التجأ الخبيث إِلَى جبلٍ ثُمَّ تراجع هُوَ وأصحابه إِلَى مدينتهم خُفْية، وجاءت مقدّمات الموفَّق، فَلَمَّا وصلوا إِلَى المدينة لم يَدْرُوا أنّهم قد رجعوا إليها، فأوقعوا بهم، فانهزم الخبيث وأصحابه، وتبعهم أصحاب الموفَّق يأسرون ويقتلون، وانقطع الخبيث فِي جماعةٍ من قوّاده وفرسانه، وفارقه ابنه انكلائي، وسليمان بْن جامع، فظفر أبو الْعَبَّاس بن الموفَّق بابن جامع، فكبّر النّاس لمّا أتى به إِلَى أَبِيهِ. ثُمَّ شدّ الخبيث وأصحابه، فأزال النّاس عن مواقفهم، فحمل عليه الموفَّق فانهزموا وتَبِعهم إِلَى آخر نهر أبي الخصيب، فبينا القتال يعمل إذ أتى فارس من أصحاب لؤلؤ إِلَى الموفَّق ورأس الخبيث فِي يده، فلم يصدّقه فعرضه على جماعةٍ فعرفوه. فترجل الموفَّق وابنه والأمراء وخرّوا سجَّدًا لله، وكبّروا وحمدوا الله تعالى.
وَقِيلَ: إنّ أصحاب الموفَّق لمّا أحاطوا به لم يبق معه إلّا المهلَّبيّ، ثُمَّ ولّى وتركه، فقذف نفسه فِي النّهر فقتلوه.
وسار أبو الْعَبَّاس ومعه رأس الخبيث على رمحٍ فدخل به بغداد، وعُمِلت قِباب الزّينة، وضجّ النّاس بالدّعاء للموفَّق وولده. وكان يومًا -[256]- مشهودًا، وأمِن النّاس وتراجعوا إِلَى المدن الّتي أخذها الخبيث. وكان ظهوره من سنة خمسٍ وخمسين.
قَالَ الصُّولي: إنّه قتَل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدميّ، وقتل فِي يومٍ واحدٍ بالبصرة ثلاثمائة ألف. وكان له منبرٌ فِي مدينته يصعد عليه ويسبّ عُثْمَان وعليّ ومعاوية وطلحة والزُّبير وعائشة، وهو رَأَى الأزارقة. وكان ينادى على المرأة العلوية بِدرْهَمين وثلاثةٍ فِي عسكره، وكان عند الواحد من الزَّنج العشرة من العلويّات يطأهنّ وتخدمن نساءهم، ومدح الشعراء الموفَّق.
وَفِي نصف شعبان أعيد المعتمد إِلَى سامراء، ودخل بغداد ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والحسن في خدمته كأنه لم يحجر عليه.
وفيها انبثق ببغداد في الجانب الغربيّ بثق في نهر عيسى، فجاء الماء إِلَى الكَرْخ، فهدم سبعة آلاف دار.
وفيها ظهر أَحْمَد بْن عَبْد الله بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ بالصعيد، وتبعه خلْق. فجهّز أَحْمَد بن طولون لحربه جيوشًا، وكانت بينهم وقعات وظفروا به وأتوا ابن طولون به فقتله. ومات بعده ابن طولون بيسير.
وفيها ظهرت دعوة المهديّ باليمن، وكان قبلها بنحو سنتين قد سيّر والده عبيدة، جّد بني عبيد خلفاء المصرييّن الرَّوافض المَلاحِدة الَّذِي زعم أنّه ابنُ محمد بن إسماعيل بن جعفر الصّادق، داعيين لولده عَبْد الله المهديّ، أحدهما أبو القاسم بْن حَوْشَب الكوفي، والآخر أبو الْحَسَن، فَدَعَوْا إِلَى المهدي سرًّا. ثُمَّ سيّر والد المهديّ داعيًا آخر يُسمّى أَبَا عَبْد الله، فأقام باليمن إِلَى سنة ثمانٍ وسبعين، فحجّ تلك السنة، واجتمع بقبيلة من كُتامة، فأعجبهم حاله، فصحبهم إلى مصر، ورأى منهم طاعةً وقوّة، فصحبهم إِلَى المغرب، فكان ذلك أوّل شأن المهديّ.
وفيها نازلت الرّوم طَرَسُوس فِي مائة ألف وبها يازمان الخادم، فبيَّتهم ليلًا وقتل مقدّمهم وسبعين ألفًا. وأخذ منهم صليبهم الأكبر وعليه جواهر لا قيمة لها، وأخذ من الخيل والأموال والأمتعة ما لا ينحصر، ولم يُفِلت منهم إلّا القليل؛ وذلك فِي ربيع الأوّل. وكان فتحًا عظيمًا عديم المثل منَّ الله به على الْإِسْلَام يوازي قَتْلَ الخبيث صاحب الزنج.
والحمد لله وحده.