-أَبُو مِحْجَن الثَّقفيّ [الوفاة: 13 - 23 ه]
في اسمه أقوال. قدِم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان فارسَ ثقيف في زمانه إلَّا أنّه كان يُدْمن الخمر زمانا، وكان أبوبكر رضي الله عنه يستعين به، وقد جُلِد مرارًا حتّى إنّ عمر نفاه إلى جزيرة، فهرب ولحق بسعد بْن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عُمَر إلى سعد فحبَسَه. فلمّا كان يوم قَسّ النّاطف، والْتَحَم القتال سأل أَبُو مِحْجَن من امرأة سعدٍ أنْ تحلّ قَيْدَه وتُعْطِيَه فَرَسًا لسعد، وعاهدها إنْ سَلِم أن يعود إلى القَيْد، فحلَّته وأعطته فرسًا فقاتل وأبلى بلاءً جميلًا ثُمَّ عاد إلى قيده.
قَالَ ابن جُريْج: بلغني أنّه حُدَّ في الخمر سبع مرّات.
وَقَالَ أيوب، عَنِ ابن سِيرين قَالَ: كان أَبُو مِحْجن لَا يزال يُجْلَدُ في الخمر، فلمّا أكثر سجنوه، فلمّا كان يوم القادسية رآهم فكلَّم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسًا وسلاحًا، فجعل لَا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ -[168]- صُلْبَه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجّب ويقول: من الفارس؟ فلم يلبثوا أنْ هزمهم، ورجع أَبُو مِحْجَن وتقيّد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلًا على فَرسٍ أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائله. قالت: والله إنّه لأبو مِحْجَن، وحكت له، فدعا به وحلّ قيوده، وَقَالَ: لَا نجلدك على خمر أبدا، فقال: وأنا والله لَا أشربها أبدًا، كنت آنف أنْ أدعها لجلْدِكم، فلم يشربها بعد.
رَوَى نَحْوَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقَادِسِيَّةِ أُتِيَ بِأَبِي محجن سكران فَقَيَّدَهُ سَعْدٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ونقل أهل الأخبار أنّ أبا مِحْجَن هو القائل:
إذا مِتُّ فادْفِنِّي إلى جنب كرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفَلاة فإنّني ... أخاف إذا مَا مِتُّ ألَّا أذُوقُها
فزعم الهيثم بْن عدِيّ أنّه أخبره من رأى قبر أبي مِحْجَن بأذْرَبَيْجَان - أو قَالَ: في نواحي جُرْجَان - وقد نبتت عليه كَرْمَةٌ وظلَّلَتْ وأثمرت، فعجِب الرجل وتذكّر شِعْرَه.