-الهُرْمُزان صاحب تُسْتَر [الوفاة: 13 - 23 ه]
قد مرَ من شأنه في سنة عشرين، وهو من جُمْلَةِ الملوك الذين تحت يد يزْدجِرْد.
قَالَ ابن سعد: بعثه أَبُو موسى الأشعريّ إلى عُمَر ومعه اثنا عشر نفْسًا من العجم، عليهم ثياب الدّيباج ومناطق الذهب وأساورة الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب النَّاس من هيئتهم، فدخلوا فوجدوا عُمَر في المسجد نائمًا متوسدًا رداءه، فَقَالَ الهرْمُزان: هذا ملِكُكُم؟ قالوا: نعم، قَالَ: أما له -[164]- حاجب ولا حارس؟! قالوا: الله حارسه حتّى يأتيه أجلُه، قَالَ: هذا الملك الهَنّي.
فَقَالَ عُمَر: الحمد لله الَّذِي أذلّ هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا، فقال أَنْس بْن مالك: الحمد لله الَّذِي أنجز وعده، وأعزّ دينه، وخذل من حادَّه، وأورثَنَا أرضَهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم. فبكى عُمَر ثُمَّ قَالَ للهرمُزَان: كيف رأيت صنيع الله بكم؟ فلم يُجْبه، قَالَ: مالك لَا تتكلم؟ قَالَ: أَكَلامُ حيٍّ أم كلام ميتٍ؟ قَالَ: أوَلَسْت حيًّا! فاستسقى الهُرْمُزان، فَقَالَ عُمَر: لَا يُجْمَع عليك القتْلُ وَالْعَطَشُ، فأتوه بماءٍ فأمسكه، فَقَالَ عُمَر: اشربْ لَا بأس عليك، فرمى بالإناء وَقَالَ: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نتعبدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالًا، فلمّا كان الله معكم لم يكن لأحدٍ بالله طاقة، فأمر عُمَر بقتله، فَقَالَ: أوَلَم تؤمِّنّي! قال: كيف؟ قَالَ: قلت لي: تكلّم لَا بأس عليك، وقلت: اشرب لَا أقتلك حتى تشربه، فَقَالَ الزُّبَيْر وأنس: صدق، فَقَالَ عُمَر: قاتله الله أخذ أمانًا وأنا لَا أشعر، فنزع مَا كان عليه، فَقَالَ عُمَر لسُراقة بْن مالك بْن جَعْشم وكان أسود نحيفًا: البس سِوَارَيِ الهُرْمزان، فلبسهما ولبس كِسْوَتَه.
فَقَالَ عُمَر: الحمد لله الَّذِي سلب كِسْرَى وقومَهُ حُلِيَّهم وكِسْوَتهم وألبسها سُراقة، ثمّ دعا الهُرْمزان إلى الإسلام فأبى، فَقَالَ عليّ بْن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، فرِّق بين هؤلاء، فحمل عُمَر الهُرْمُزانَ وجُفَيْنَةَ وغيرهما في البحر وَقَالَ: اللَّهُمَّ اكسرْ بهم، وأراد أن يسير بهم إلى الشام فكُسِرَ بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر في ألفين ألفين، وسمَّى الهُرْمُزان عْرفَطَة.
قَالَ المِسْوَر بْن مَخْرَمَة: رأيت الهُرْمزان بالرَّوحاء مُهِلًّا بالحجّ مع عُمَر.
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْهُرْمُزَانَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ مَعَ عُمَرَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حِبَرَةٌ.
وَقَالَ علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قَالَ: مَا رأيت رجلًا أخمص بطنًا ولا أبعد مَا بين المنكبين من الهُرْمُزان. -[165]-
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ: أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - وَلَمْ تُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذْبَةٌ قَطُّ - قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ وَأَبِي لُؤْلَؤَةَ وهم نجي فبغتهم، وَسَقَطَ مِنْ بَيْنِهِمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَانْظُرُوا بِمَ قتل عمر، فنظروا بِمَ قُتِلَ عُمَرُ، فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ حَتَّى أَتَى الْهُرْمُزَانَ، فَقَالَ: اصْحَبْنِي نَنْظُرْ فَرَسًا لِي - وَكَانَ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ - فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَلاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا وَجَدَ حَدَّ السَّيْفِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلاهُ بِالسَّيْفِ فَصَلَّب بَيْنَ عَيْنَيْهِ. ثُمَّ أَتَى بِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ جَارِيَةً صَغِيرَةً تَدَّعِي الإِسْلامَ فَقَتَلَهَا، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَتْرُكُ فِي الْمَدِينَةِ سَبْيًا إِلَّا قتلته وغيرهم، كأنه يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أَلْقِ السَّيْفَ، فَأَبَى، وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ، حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: أَعْطِنِي السيف يا ابن أَخِي. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ ثَارَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَتَنَاصَيَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسَ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا وُلِّيَ عُثْمَانُ، قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةُ النَّاسِ: قُتِلَ عُمَرُ بِالأَمْسِ وَيُتْبِعُونَهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ! أَبْعَدَ اللَّهُ الهُرْمُزان وجُفَيْنَة، فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرَ فِي وِلايَتِكَ فَاصْفَحْ عَنْهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى قَوْلِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ.
رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ، وَزَادَ فِيهِ: كَانَ جُفَيْنَةُ مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ وَكَانَ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَطَّ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ فِيهِ: وَمَا أََحْسَبُ عَمْرًا كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ بَلْ بِمِصْرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ، قَالَ: وَأَظْلمت الأَرْضُ فَعَظُمَ ذَلِكَ فِي النُّفُوسِ، وَأَشْفَقُوا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَة. -[166]-
وعن أبي وجزة، عَنْ أبيه قَالَ: رأيت عُبَيْد الله يَوْمَئِذٍ وإنه لَيُناصي عثمانَ، وعثمان يَقُولُ له: قاتلك الله قتلت رجلًا يصلي وصبية صغيرةً وآخرَ له ذمة، مَا في الحق تركُكَ. وبقي عُبَيْد الله بْن عُمَر وقُتِل يوم صِفّين مع معاوية.
مَعْمَرٌ، عَنِ الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عُمَرَ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ، إِنْ كَانَتْ لَمَنْ شَيَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ.
قَالَ مَعْمَر: بَلَغَنَا أنّ عثمان قَالَ: أنا وليّ الهُرْمُزان وجُفَيْنة والجارية، وإني قد جعلتها دِيَة.
وذكر محمد بْن جرير الطبريّ بإسنادٍ له أنّ عثمان أقاد ولد الهُرمُزان من عُبَيْد الله، فعفا وَلَدُ الهُرْمُزان عنه.