كلمة في هذا التأليف:

لست أريد بما أثبته من هذه الكلمة أن أظهر الاستبصار فيما ألفت من هذا الكتاب، أو استطيل بما تهيأ لي من طريقته؛ فذلك مني جهد المقل، وقوة الضعيف الذي لا يمضي حتى يكل، وبعد فما أنا وهذا الأمر؟ وأين أقع منه؟ هل ولدت مع التاريخ فأكون شاهد نشأته، والقاضي في خصومة أهله، ومن إليه الكلمة في الجرح والتعديل، والطرح والتبديل؟ وهل أنا إلا رجل يقرأ ليكتب، ويكتب ليقرأ الناس؛ فإن أصاب فلهم ولا هم، وإن أخطأ فعليه وخلاهم ذم.

ولكني أريد أن أصف الطريقة التي انتهجتها، وأبين لم خالفت القوم في نمط التأليف إلى ما ابتدعته، وما هو مبلغهم من العلم فيما يقتحمون من تلك الخطة؛ وأن أنزع في ذلك بالدليل وأدعي بالبينة، مستعيذًا

بالله من فتنة القول وزوره، وخطل الرأي وغروره:

اجتمع المتأخرون على جعل التدبير في وضع "تاريخ أدبيات اللغة العربية"1 أن يقسموا هذا التاريخ إلى خمسة عصور: الجاهلية، فصدر الإسلام، فالدولة الأموية، فالعباسية إلى سقوطها سنة 856 للهجرة، ثم ما تعاقب من العصور بعد ذلك إلى قريب من هذه الغاية، حيث ابتدأت النهضة الحديثة.

وأول ما ابتدع هذا التقسيم، المستشرقون من علماء أوروبا؛ قياسًا على أوضاع آدابهم مما يسمونه Litterature فهم الذين تنبهوا لهذا الوضع في العربية، فجاءوا به كالمنبهة على فرط عنايتهم بفنونها وآدابها؛ وحسبهم من ذلك صنيعًا2!

بيد أن تلك العصور إذا صلحت أن تكون أجزاء للحضارة العربية التي هي مجموعة الصور الزمنية لضروب الاجتماع وأشكاله؛ فلا تصلح أن تكون أبوابًا لتاريخ آداب اللغة التي بلغت بالقرآن الكريم مبلغ الإعجاز على الدهر، ولم تكد تطوي عصرها الأول حتى كان أول سطر كتب لها في صفحة العصر الثاني شهادة الخلود وما بعد أسباب الخلود من كمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015