عليه المتأخرون.... "ص386 ج7: المجلد الثاني من المقتبس".

المقطع والموصل:

ومعنى الأول أن تكون كلمات المنظومة كلها منفصلة الأحرف رسمًا، وهو بخلاف الثاني، فإن جميع أحرفه ينبغي أن تكون متصلة بعضها [ببعض] في كل كلمة؛ ولم نر من ذلك شيئًا لغير الصفي الحلي، فربما كان أول من خصصه بالنظم وربما كان متابعًا، وعلى أيهما فذلك من عبث الصناعة؛ ومثال الموصل قول الصفي:

إذا زار داري زور ودود ... أود وأورده ورد ودي

وهي ثلاثة أبيات تدور في جملتها على هذه الأحرف؛ لأن الحروف التي ترسم منفصلة معدودة؛ ومثال الثاني قوله:

سل متلفي عطفًا عسى يتعطف ... فلقد قسا قلبًا فما يتلطف

وجميعها سبعة أبيات، وكل ذلك في ديوانه.

المصحفات:

هذا نوع يلحق بالصناعات؛ لأن المدار فيه على القصد والتعمل، فتجيء بالألفاظ توهم المدح، فإذا صحفت خرجت ذما وقدحًا، كما تقول: هو كاتب أمين فإذا صحفته قلت هو كاذب أفين، مثلًا؛ فذلك كالهجو في معرض المدح الذي يعرفه البديعيون، وهو من مستخرجات ابن أبي الأصبع، ولكن ذلك في الألفاظ بما يدل ظاهرها وباطنها باعتبار مواقعها في الكلام لا غير.

وقد ذكر صاحب "الشقائق" "ص328" في ترجمة المولى شمس الدين المتوفى في حدود التسعمائة، وهو من أفراد علماء الموسيقى، أنه كان ينظم القصائد العربية والفارسية والتركية ويمدح بها الأكابر ويرسلها إليهم، وكل قصيدة إذا صحفت من أولها إلى آخرها يحصل منها هجو.

وقد ينظمون الأبيات إذا قرئت صدورها وأعجازها كانت مدحًا، فإذا أفردت الصدور خرجت منها أبيات في الذم؛ [وأبياتًا] أخرى إذا قرئت معكوسة الألفاظ كانت هجاء وهي في طردها مديح.

ولم نعثر من نوع المصحفات على شيء من النظم، بل لم نهتد إلى أنه من الصناعات إلا بكلمة صاحب "الشقائق" التي أوردناها، وهو رجل كان لا يحفل بحياة التاريخ فأماته في كتابه؛ لأنه قلما ترجم إلا الأسماء والصفات الجامدة، فكأنما كتابه بعد عصره إنما يترجم الموتى للموتى، فإنه لم يذكر في ترجمة شمس الدين -على أنه من أفراد الموسيقى ومن عجائب المصنعين- إلا أسطرًا، وكذلك شأنه في غيره، وأين من ذلك حقيقة التاريخ؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015