واعتاضت من مفرقها الحالك بالأشيب.
ومما يعجب له أن ابن معتوق ختم جميع بنوده الخمسة بالراء المفتوحة، ولم يلتزم فيها غير ذلك مما يطرد في الجميع، فكان ختام الأول "سرا وجهارًا" والثاني "مساء ونهارًا" والثالث "بهارًا ونضارًا" والرابع "عذارًا" والخامس "مزارًا" وقد خفي علينا وجه الحكمة في ذلك، إلا أن يكون من مقتضيات التوقيع، فتكون تلك القوافي قرارات للنغم.
ولم يضرب على قالب ابن معتوق إلا القليل، كالأديب المسمى ابن خلفة البغدادي، وهو من أدباء القرن الثاني عشر، فقد عثر له بعضهم على بند من مثل ذلك أوله:
أيها اللائم في الحب، دع اللوم عن الصب، فلو كنت ترى الحواجب الزج، فوق الأعين الدعج.... إلى أن يقول في ختامه: لو ترانا كل يبدي لدى صاحبه العتب، ويسدي فرط شوق كامن أضمره القلب سحيرًا، والتقى قمصنا ثوب عفاف قط ما دنس بالإثم سوى اللثم، لأصبحت من الغيرة في حيرة، وأعلنت بحب الشادن الأهيف سرا وجهارًا....
قلت: وهذا عجيب أيضًا، فإن لم يكن ابن خلفة من ضعفاء المقلدين الذين يسقطون بكلمة ويطيرون بكلمة، فإن الراء المفتوحة أو أي قافية مطلقة، تكون شرطًا في ختام هذه البنود، وهو غريب.
ولا بد هنا أن نذكر نوعًا قريبًا من البنود إلا أنه مستقل باسمه وصفاته، وهو النوع المعروف بالمستزاد، وأظن أن مأخذ البند منه؛ إلا أن الذي أخذه أطلق الوزن وهو في المستزاد مقيد.
ولم يقع إلينا سبب هذه التسمية ولا أصلها، غير أني وقفت في "الشقائق النعمانية" في ترجمة المولى حضربيك بن جلال الدين، وكان يلقب بجراب العلم، وهو من علماء السلطان محمد الفاتح، على منظومة منه، وهي:
يا من ملك الإنس بلطف الملكات، في حسن صفات.... إلخ "ص154 هامش الجزء الأول من ابن خلكان".
وكذلك أورد لأحمد باشا ابن المولى ولي الدين الحسيني المتوفى سنة 902هـ قطعة أخرى من معارضة هذه، وليس من عادة صاحب الشقائق أن يورد لمن يترجمهم شيئًا من مثل هذه المختارات؛ فحرصه على إيراد القطعة الأولى ومعارضتها، يدل على أن النوع غريب عندهم.