قدمنا أن هذا الفن هو الأصل من حيث الصنعة، وأن الملاحن والألغاز والأحاجي هي منه، بعضها أعان عليه، وبعضه أعان عليها؛ ونحن موردون هنا قولًا يشمل الجميع توفية للفائدة، وإنما الاتساع مادة الإشباع.
نقل البغدادي في "خزانة الأدب" عن صاحب "الإعجاز في الأحاجي والألغاز" في ذكر أسماء هذا الفن وعودها إلى معنى واحد، أن هذا الفن وأشباهه يسمى المعاياة، والعويص، واللغز، والرمز، والمحاجاة، وأبيات المعاني، والملاحن، والمرموس، والتأويل، والكناية، والتعريض، والإشارة، والتوجيه، والمعمى، والممثل, والمعنى في الجميع واحد، وإنما اختلفت أسماؤه بحسب اختلاف وجوه اعتباراته؛ فإنك إذا اعتبرته من حيث هو مغطى عنك سميته معمى، مأخوذ من لفظ العمى، وهو تغطية البصر عن إدراك المعقول، وكل شيء تغطى عنك فهو عمي عليك، وإذا اعتبرته من حيث إنه ستر عنك ورمس سميته مرموسًا، مأخوذ من الرمس، وهو القبر، كأنه قبر ودفن ليخفى مكانه على ملتمسه؛ وقد صنف بعض الناس في هذا كتابًا وسماه "المرموس"، وأكثره ركيك عامي، وإذا اعتبرته من حيث إن معناه يؤول إليك سميته التأويل ... إلخ "ص116 ج3: خزانة الأدب الكبرى".
وقد ذكر جمال الدين بن نباتة في "سرح العيون"، المتوفى سنة 768هـ أن المعمى سمي في عصره: المترجم، وأن الخليل واضع العروض هو أول من استخرجه ونظر فيه، قال: وذلك أن بعض اليونان كتب بلغتهم كتابًا إلى الخليل فخلا به شهرًا حتى فهمه، فقيل له في ذلك فقال: علمت أنه لا بد وأن يفتتح باسم الله تعالى، فبنيت على ذلك وقست وجعلته أصلًا ففتحته، ثم وضعت كتاب "المعمى" ا. هـ.
وهو خبر لا نراه محتملًا إلا أن يكون ذلك اليوناني مستعربًا وافتتح كتابه حقيقة باسم الله على الطريقة العربية، فلا يبقى ثمت إلا أن نؤاتي الفطنة ويسعف الإلهام. ونظير ذلك ما فعله شامبليون في قراءة الخط الهيروغليفي الذي كان على حجر رشيد بعد أن اعتمد ترجمة اليوناني في المقابلة، وكان ذلك مبدأ لما بعده إلى اليوم.