الألغاز والأحاجي والمعميات وغيرها:
الألغاز:
هي جمع لغز، وأصله الحفرة الملتوية يحفرها اليربوع والضب والفأر؛ لأن هذه الدواب تحفر جحرها مستقيمًا إلى أسفل ثم تحفر في جانب منه طريقًا وفي الجانب الآخر طريقًا، وكذلك في الجانب الثالث والرابع، فإذا طلب بعضها البدوي بعصاه من جانب نفق من الجانب الآخر؛ ثم استعملوه في الإتيان بالعبارة يدل ظاهرها على غير الموصوف بها ويدل باطنها عليه، وهي من قبيل الملاحن، وتشارك المعمى والأحاجي أيضًا من حيث التعمية في جميعها وإيرادها على ذلك الوجه المقصود؛ إلا أن بينها فروقًا في الاعتبار والاصطلاح عند المتأخرين، كما تعرف ذلك فيما نسوقه منها وما نذكره من تاريخها.
أما الألغاز فقد قال فيها السيوطي: هي أنواع؛ ألغاز قصدتها العرب، وألغاز قصدتها أئمة اللغة، وأبيات لم تقصد العرب الإلغاز بها وإنما قالتها فصادف أن تكون ألغازًا. وهي نوعان: فإنها تارة يقع الإلغاز بها من حيث معانيها، وأكثر أبيات المعاني من هذا النوع، وقد ألف ابن قتيبة في هذا النوع مجلدًا حسنًا، وكذلك ألف غيره؛ وإنما سموا هذا النوع أبيات المعاني؛ لأنها تحتاج إلى أن يسأل عن معانيها ولا تفهم من أول وهلة؛ وتارة يقع الإلغاز بها من حيث اللفظ والتركيب والإعراب.
ثم أورد أمثلة من ذلك، كالذي أنشده ابن سلام في كتاب "الأضداد" لأبي دؤاد الإيادي:
رب كلب رأيته في وثاق ... جعل الكلب للأمر جمالا
رب ثور رأيت في جحر نمل ... وقطاة تحمل الأثقالا
والكلب: الحلقة التي تكون في السيف، والثور: ذكر النمل، والقطاة [....] .
وكالذي أنشده الخليل لأبي مقدام الخزاعي:
وعجوز أتت تبيع دجاجا ... لم يفرخن قد رأيت عضالا
ثم عاد الدجاج من عجب الدهـ ... ـر فراريج صبية أطفالا
وقال: يعني دجاجة الغزل، وهي الكبة أو ما يخرج عن المغزل، ويعني بالفراريج: الأقبية.
وكقول بعضهم من أبيات المعاني يصف نار القِرى:
وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء أو هي أجمل
دعوت بها أبناء ليل كأنهم ... وقد أبصروها معطشون قد أنهلوا1