عن الرواة* ولكنا نقول هنا إنهم جعلوا يستخرجون من بعض شعر الجاهلية مذاهب كالتي ينتحلونها، فكان أبو عمرو بن العلاء يقول: كان لبيد مجبرًا؛ وكان الأعشى عدليا، وأنشد لبيد:
من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل
وأنشد للأعشى "ص292: سرح العيون":
استأثر الله بالوفاء والعد ... ل وولى الملامة الرجلا
أما الشعراء فكان غيلان ذو الرمة على ما يقال أول من تكلم في القدر وخلق القرآن في الإسلام، وقيل: أول من تكلم في القدر رجل من أهل العراق كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر، وأخذ عنه معبد الجهني وغيلان الدمشقي "ص201: سرح العيون"؛ وكان رؤبة الراجز من أهل الجبر؛ وقد تحاكم في ذلك مع غيلان إلى بلال بن أبي بردة صاحب القضاء؛ وكان السيد الحميري من المفرطين في التشيع، وهو يقول برأي الإمامية، وكان أبو المحدثين بشار بن برد -على جلالته في الشعر- يسخف شعره بالاعتذار عن إبليس في أن النار خير من الأرض، ونحو ذلك من آراء الزنادقة "ج1: البيان". وكذلك كان سليمان الأعمى أخو مسلم بن الوليد، ثم كان بشار ينكر على حماد عجرد وحماد الراوية وأبان بن عبد الحميد اللاحقي وسائر إخوانهم في الرأي، وكانوا يتواصلون كأنهم نفس واحدة "ص3 ط1: الحيوان". وكان أبو نواس يجلس لبعض هؤلاء وينظم في سخيف ما يذهبون إليه، وذكر الجاحظ في "البيان": أنه كان لابن عقب الليثي "انظر الأغاني: ص169 ج1 وتصحيح اسم ابن أبي العقب وأنه مجهول لا يعرف ... إلخ" مذهب شعري في الملاحم والمغيبات، وأن أبا نواس والرقاشي كانا يقولان أشعارًا على مذاهب أشعار ابن عقب هذا وينحلانها أبا ياسين الحاسب الذي ذهب عقله بسبب تفكيره في مسألة، فلما جن كان يهذي أنه سيصير ملكًا، وقد ألهم ما يحدث في الدنيا من الملاحم؛ وقد روى في "البيان" "ص7 ج2" قطعة من تلك الأشعار.
وكان أبو العتاهية يتشيع على مذهب الزيدية، وكان مجبرًا، وكان كثيرًا ما يعارض ثمامة بن أشرس بين يدي المأمون، ومن شعراء النحل زرارة بن أيمن مولى بني أسعد بن همام، وهو رأس النميمية "ص39 ج7: الحيوان" وأبو السري معدان الأعمى الشميطي؛ وله قصيدة صنف فيها الرافضة ثم الغالية وشرح مذاهبهم وذكر رؤساءهم "ص98 ج2: الحيوان". ومنهم أبو سهيل بشر بن المعتمر، وكان خاصا بالفضل بن يحيى من البرامكة؛ فإن له قصيدتين ذكر فيها آيا الله في صنعه وخلقه؛ ودل على مواضع الحكمة ومغزى الاعتبار، وصنف في الأولى منهما الرافضة والإباضية