وحملت على نفسي ما حملت، ومضيت في القراءة متكلفًا ما لا قبل لي به، فإذا الحديث ينقطع بعد أسطر، وإذا هو يحيل على مراجع مختلفة يريد أن ينقل منها نصا، أو خبرًا، أو بابًا، ومنها ما لا أملك ولا يتيسر لي، وقد يذكر رقم الصفحة المنقول عنها وقد لا يذكره، وحينًا يذكر رقم الصفحة ويغفل اسم الكتاب. وأحيانًا كثيرة يقول: "ص كذا كتاب كذا إلى العلامة" وهو يعني علامة وضعها على الصفحة المشار إليها في نسخته الخاصة. وأين مني نسخته الخاصة وبيني وبينها من الزمان ربع قرن أو يزيد وبيني وبين كتبه ما بين القاهرة وطنطا؟
تلك صعوبات لم أكن أتوقعها حين رضيت القيام على نشر هذا الجزء، ولكني لم أستطع أن أنكص. وحاولت أن ينسأ الناشر الأجل المضروب لتقديم الكتاب إلى المطبعة حتى أفرغ منه على وجه تطمئن إليه نفسي؛ ولكن ضرورات تجارية كانت تحدد له مواعيده. فطأطأت رأسي وقلت: ذلك على أي أحواله خير من إهمال الكتاب حتى يأتي عليه الزمن. وأخذت في طريقي.
أما ترتيب الكتاب فقد استهديت فيه بما ذكر المؤلف عن نمط الكتاب وأبوابه في الجزء الأول "ص 19-20" ومقتضى هذا الترتيب أن يكون أول هذا الجزء الباب الرابع في تاريخ الخطابة والأمثال، ولكني لم أجد فيما بين يدي من المخطوط حديثًا عن هذا الباب، إلا فهارس وجزازات وأرقام صفحات في مراجع مختلفة؛ فتركت هذا الباب إلى ما بعده، وجعلت أول الكتاب الباب الخامس في تاريخ الشعر ومذاهبه وفنونه؛ ثم رتبت فصول هذا الباب على ما بدا لي، وكذلك فعلت في البابين السادس والسابع، ثم تجاوزت البابين الثامن والتاسع، إذ كان شأنهما شأن الباب الرابع؛ ثم أثبت في الباب العاشر فصلين كنت أحسبهما مما يشملهما موضوعه، ثم بان لي من بعد أنه أعدهما ليكونا تمامًا للباب الخامس وموضوعه "تاريخ الشعر العربي ومذاهبه" كما ذكرت، ولكني كنت قد فرغت من طبع ما قبلهما فلم أستطع تدارك ما فات. وكان شأن الباب الثاني عشر شأن الأبواب المغفلة مما سبق.
وقد عييت بقراءة خط المؤلف في كثير من المواضع مع وضوح القصد، فالتزمت في مثل هذه الحال أن أثبت في موضع الكلمات المُشْكِلة ما ما أراه أليق بموضعها من الكلام، أو ما أراه أشبه بالرسم من كلمات المؤلف، وجعلت ذلك بين العلامتين [] تمييزًا له؛ وقد أعيا بالقراءة ثم لا يبين لي القصد، فأثبت مكان ذلك علامة الحذف..... على أن ذلك قليل.
وفي بعض فصول الكتاب كان لي تصرف يتم به المعنى أو يتسق التأليف ويتساوق الكلام؛ فنبهت إلى مثل ذلك في هامش الكتاب عند موضعه "انظر فصل الشاعرات وغيره" وجعلت فرق ما بين التعليق الذي أكتبه والتعليق الذي يكون من عمل المؤلف أن يسبق التعليق الذي أكتبه علامة "*" وكلمة "قلت".
وإذا كان خط المؤلف على ما وصفت، وعلى ما يدل النموذج المصور مع هذه المقدمة، فإن أشق ما عانيت كان في قراءة الأعلام؛ ولم تتهيأ لي الفرصة لمراجعة كل هذه الأعلام وتصحيحها؛ فصححت ما صححت منها وتركت سائرها على ما هو؛ إذ كان في التعجيل بنشر الكتاب حفظ له من