فصل: البلاغة في القرآن

وبعد فلا سبيل من كتابنا هذا إلى بسط الكلام وتقسيمه فيما تضمنه القرآن من أنواع البلاغة التي نصب لها العلماء أسماءها المعروفة: كالاستعارة والمجاز وغيرهما، فضلًا عن أنواع البديع الكثيرة؛ فإن ذلك يخرج استخراجه من القرآن بابًا مفردًا صنف فيه جماعة من العلماء المتأخرين: منهم الإمام الرازي المتوفى سنة 606هـ، فقد لخص كتابي "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" للجرجاني، واستخرج منهما كتابه في إعجاز القرآن وهو كتاب معروف، أحسن في نسقه وتبويبه، ثم الأديب ابن أبي الإصبع المتوفى سنة 654هـ فقد صنف كتاب "بدائع القرآن" أورد فيه نحو مائة نوع من معاني البلاغة وشرحها، واستخرج أمثلتها من القرآن، ثم ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ وقد أشرنا في غير هذا الموضع إلى تصنيفه "كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان" وهو في معناه بتلك الكتب كلها.

هذا إلى أن كل ما كتبه المتقدمون في علوم البلاغة وإعجاز القرآن: كالرماني، والواسطي، والعسكري، والجرجاني، وغيرهم. فإنما ينحون به هذا النحو من انتزاع أمثلته في القرآن، والإضافة في أبوابها، ثم ما يداخل هذه الأبواب من فنون الكلام شعره ونثره1، ومن أجل ذلك قلنا آنفًا: إن القرآن كان علم البلاغة عند العرب، ثم صار بعدهم بلاغة هذا العلم.

بيد أنه لا يفوتنا التنبيه على أن كل ما أحصاه العلم من أنواع البلاغة في القرآن الكريم، فإنما هو جملة ما في طبيعة هذه البلاغة مما يمكن أن يقلب عليه الكلام في وجوه السياستين البيانية والمنطقية، بحيث يستحيل ألبتة أن يوجد في كلام عربي نوع ممن ذلك وقد خلا هو منه، إلا أن يكون من باب الصنعة والتكلف الذي يتلوم الأدباء على صنعه ويذهبون فيه المذاهب الكثيرة من النظر والأعداد والتنقيح ونحوها، ثم لا يعطيه معنى البلاغة مع كل هذا العنت إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015