تفسير آية 1:

وقد رأينا أن نسوق هنا تفسير آية من القرآن الكريم أصبناه في بعض كتب الحكيم العلامة داود الأنطاكي المتوفى سنة 1008 للهجرة، فتح عليه به وهو في أضعف الأزمنة وأشدها انحطاطًا وفقرًا من الوسائل العلمية.

ولا تنس أن الآية أنزلت على نبي أمي في قوم لا يعرفون كثيرًا ولا قليلًا من علم التشريح أو علم التكوين، ثم إنها كذلك ليس في صناعتها البيانية شيء مما تتحسن به البلاغة فيبين بنفسه ويجعل للكلام شأنًا في تمييزه واستخراج معانيه، كالاستعارة والكناية ونحوها؛ ولكنها قائمة على دقائق التركيب العلمي والملاءمة بينها وبين دقائق التعبير؛ ففيها إعجاز في المعنى، ثم إعجاز في الصورة؛ مع أنها في غرضها وسياقها مظنة أن لا يكون فيها من ذلك شيء؛ إذ هي عبارة علمية تسرد سردًا على التقرير والحكاية هذا مما يسمو بإعجازها سموا على حدة، فإنه يضع فوق البلاغة ما تكون البلاغة في العادة والطبيعة فوقه.

وكل ما هذه سبيله من الآيات العلمية في القرآن الكريم فأنت لا بد واجد فيه من قوة المعاني أكثر مما في العقل العربي من قوة الفهم وقوة التعبير؛ لتكون قوة الدلالة فيه يوم تتهيأ للأمم وسائلها العلمية دليلًا من أقوى أدلة الإعجاز.

أما الآية فهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 2.

والتفسير: قال جل من قائل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} ، يعني إيجادًا واختراعًا، لعدم سبق المادة الأصلية "من سلالة" هي الخلاصة المختارة من الكيفيات الأصلية بعد الامتزاج بالتفعيل الثاني مما ركب منها بعد امتزاج القوى والصور، والتنويه باسمه3 إما للصورة والرطوبات الحسية، أو لأنه السبب الأقوى في تحجر الطين وانقلابه وكسر سورة الحرارة وإحياء النبات والحيوان اللذين هما الغذاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015