وقد أوردنا في باب الرواية من التاريخ أن أبا علي الأسواري القاص البليغ، فسر القرآن بالسير والتواريخ ووجوه التأويلات، فابتدأ في تفسير سورة البقرة، ثم لبث يقص ستا وثلاثين سنة، ومات ولم يختمه، وكان ربما فسر الآية الواحدة في عدة أسابيع لا يني ولا يتخلف، وليس في هذا الخبر شيء من المبالغة أو التزيد، بل عسى أن يكون الأمر مع أهل التحقيق والاطلاع أبلغ منه، وهذه كتب التفسير التي عدها صاحب "كشف الظنون" وسرد أسماءها في كتابه، تبلغ ثلاثمائة ونيفًا، والرجل إنما عد بعضها كما يقول. وأنت فلا يذهبن عنك أن كل كتاب منها فإنما هو في المجلدات الكثيرة إلى مائة مجلد، وإلى ما يفوق المائة أحيانًا، فقد رأينا في بعض كتب التراجم أن أبا بكر الأدفوي المتوفى سنة 388هـ صنف "كتاب الاستغناء" في تفسير القرآن في مائة مجلد، وكان منفردًا في عصره بالإمامة في أنواع من القراءات والعربية وفنون كثيرة من العلم، وذكر الفيلسوف "أرنست رنان" أنه وقف على ثبت يدل على أنه قد كان في إحدى مكاتب الأندلس التي أحرقت تفسير القرآن في ثلاثمائة مجلد. وذكر الشعراني في كتابه "المنن" تفسيرًا قال إنه في ألف مجلد.
وهذا كله غير ما أفرد بالتصنيف من الكتب والرسائل التي لا تحصى في مسائل من القرآن وفي مشكله وغريبه ومجازه ومعانيه وضميره وشواهده وأسلوب نظمه والمتشابه من آياته وأمثاله وحروفه وإعرابه وأسمائه وأعلامه وناسخه ومنسوخه وأسباب نزوله، إلى كثير في مثل ذلك مما خفيت فيه أقلام العلماء، بحيث لا يعلم إلا الله وحده كم يبلغ ما وضع لخدمة كتابه الكريم؛ ولا يعلم الناس من ذلك إلا أنه معجزة من معجزات التاريخ العلمي في الأرض لم يتفق له في ذلك شبيه من أول الدنيا إلى اليوم، ولن يتفق.
وقد استخرج بعض علمائنا من القرآن ما يشير إلى مستحدثات الاختراع وما يحقق بعض غوامض العلوم الطبيعية، وبسطوا كل ذلك بسطًا ليس هو من غرضنا فنستقصي فيه1 على أن هذا ومثله إنما