وللقرآن وجه اجتماعي من حيث تأثيره في العقل الإنساني، وهو معجزة التاريخ العربي خاصة، ثم هو بآثاره النامية معجزة أصلية في تاريخ العلم كله على بسيط هذه الأرض، من لدن ظهر الإسلام إلى ما شاء الله، لا يذهب بحقها اليوم أنها لم تكن قبل إلا سببًا، فإن في الحق ما يسع الأشياء وأسبابها جميعًا.
وليس يرتاب عاقل -ممن يتدبرون تاريخ العلم الحديث، ويستقصون في أسباب نشأته، ويتشبثون عند الخاطر من ذلك إذا أقدموا عليه؛ وعند الرأي إذا قطعوا به- أنه لو لم يكن القرآن الكريم لكان العالم اليوم غير ما هو في كل ما يستطيل به، وفي تقدمه وانبساط ظل العقل فيه وقيامه على أرجائه، وفي نموه واستبحار عمرانه، فإنما كان القرآن أصل النهضة الإسلامية وهذه كانت على التحقيق هي الوسيلة في استبقاء علوم الأولين وتهذيبها وتصفيتها، وإطلاق العقل فيما شاء أن يرتع منها1، وأخذه على ذلك بالبحث والنظر والاستدلال والاستنباط، وتوفير مادة الروية عليه بما كان سببًا في طلب العلم للعمل، ومزاولة هذا لذاك، إلى صفات أخرى ليس هذا موضع بسطها -وإن لها لموضعًا متى انتهينا إلى بابها من الكتاب- وهذا كله كان أساس التاريخ العلمي في أوروبا. فما من