هاء والقراءة على هذا الرسم.
فذهب جماعة من أهل الكلام ممن لا صناعة لهم إلا الظن والتأويل، واستخراج الأساليب الجدلية من كل حكم وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء، حملًا على ما وصفوا من كيفية جمعه، وهو باطل من الظن، لما علمته من أنباء حفظته الذين جمعوه وعرضوه، ثم لما رأيت من تثبتهم في ذلك حتى جمعت لهم الصحة من أطرافها، ثم لإجماع الجم الغفير من الصحابة على أن ما بين دفتي المصحف هو الذي تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا اقتطع مه الباطل شيئًا.
ونحن فما رأينا الروايات تختلف في شيء من الأشياء فضل اختلاف، وتتسنم في الرد والتأويل كل طريق وعر؛ كما رأينا من أمرها فيما عدا نصوص ألفاظ القرآن، فإن هذه الألفاظ متواترة إجماعًا لا يتدارأ فيها الرواة، من علا منهم ومن نزل، وإنما كان ذلك لأن القرآن أصل هذا الدين وما اختلفوا فيه إلا من بعد اتساع الفتن؛ وتألب الأحداث وحين رجع بعض الناس من النفاق إلى أشد من الأعرابية الأولى، وراغ أكثرهم عن موقع اليقين من نفسه، فاجترءوا على حدود الله وضربتهم الفتن والشبهات مقبلًا بمدبر ومدبرًا بمقبل, فصار كل نزع إلى الاختلاف، يريد أن يجد من القرآن ما يختلف معه أو يختلف به، وهيهات ذلك إلا أن يتدسس في الرواية بمكروه يكون معه التأويل والأباطيل، وإلا أن يفتح الكلمة السيئة ويبالغ في الحمل على ذمته والعنف بها في أشياء لا ترد إلى الله ولا إلى الرسول، ولا يعرفها الذين يستنبطون من الحق، بل لا يعرفون لها في الحق وجهًا.
ونحسب أن أكثر ذلك مما افترته الملحدة وتزيدت به الفئة الغالية، وهم فرق كثيرة يختلفون فيه بغيًا بينهم1، وكلهم يرجع إلى القرآن بزعمه ويرى فيه حجته على مذهبه وبينته على دعواه؛ ثم أهل الزيغ والعصبية لآرائهم في الحق والباطل، ثم ضعاف الرواة ممن لا يميزون أو ممن تعارضهم الغفلة في التمييز، وذلك سواء كله ظلمات بعضها فوق بعض، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} . وقد وردت روايات قليلة في أشياء زعموا أنها كانت قرآنًا ورفع, على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرر الأحكام عن ربه إذا لم ينزل بها قرآن؛ لأن السنة كانت تأتي مأتاه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "أوتيت الكتاب ومثله معه" يعني السنن.