الأنواء ولا يفسره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكرت النجوم فأمسكوا". ولم يكن ينشد أو يفسر شعرًا يكون فيه هجاء1، ومن ثم فاته أبو عبيدة وأبو زيد، ولما وضع أبو عبيدة كتاب "المجاز في القرآن"2، وقع الأصمعي فيه وعاب عليه تأليف هذا الكتاب، وقال: يفسر القرآن برأيه! فسأل أبو عبيدة عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، ثم قصد إليه وجلس عنده وحادثه، ثم قال له: يا أبا سعيد، ما تقول في الخبز؟ قال: هو الذي تخبزه وتأكله. فقال: فسرت كتاب الله برأيك؛ قال الله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} [يوسف: 36] ! فقال له الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي. فقال أبو عبيدة: وهذا الذي تعيبه علينا كله شيء بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا.
بيد أن الأصمعي امتاز في رواة اللغة بالشعر ومعانيه، وانفرد أبو زيد دون الثلاثة بالنحو وشواهده؛ وهو الذي يعنيه سيبويه إذ قال في كتابه: "وحدثني من أثق بعربيته ... "3 وفاتهم أبو مالك بالغريب والنوادر؛ أما أبو عبيدة فإنه استبد بهم جميعًا في العلم بأيام العرب وأخبارهم وعلومهم، وكان يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام، إلا عرفتهما، وعرفت فارسيها! وقال فيه الجاحظ: ليس في الأرض خارجي ولا إجماعي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة!
وكان أبو زيد وأبو عبيدة يخالفان الأصمعي ويناويانه كما يناويهما؛ فكلهم كان يطعن على صاحبه بأنه قليل الرواية، وكانت اللغة متنازعة بينهم، فيتفق الصاحبان وينفرد الأصمعي وحده بالخلاف، والكوفيون لا يرون فيهم ولا في الناس أعلم باللغة من الفراء المتوفى سنة 207هـ، وكان من رءوسهم وقالوا فيه: إنه لولاه لما كانت اللغة؛ لأنه حصلها وضبطها، ولولاه لسقطت العربية؛ لأنها كانت تنازع ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب.
ثم انتهى علم اللغة في البصريين إلى ابن دريد، وهو خاتمة رواتهم وآخر ثقاتهم، لم تفتح بعده