وقد يزيدون في القصيدة ويبعدون بآخرها متى وجدوا لذلك باعثًا، كقصيدة أبي طالب التي قالها في النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مشهورة، أولها:

خليلي ما أذني لأول عاذل ... بصغواء في حق ولا عند باطل

قال ابن سلام: زاد الناس في قصيدة أبي طالب وطُوّلت بحيث لا يُدرى أين منتهاها، وقد سألني الأصمعي عنها فقلت صحيحة، فقال: أتدري أين منتهاها؟ قلت: لا، قلنا: وإنما طولت هذه القصيدة معارضة للطوال المعروفة "بالمعلقات" حتى لا يكون من شعر الجاهلية ما هو خير مما قاله عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن في أصلها أبياتًا هاشمية تفي بكثير من الطوال.

ولما كان علم العرب كله في البصرة والكوفة بعد أن نشأت الرواية لم يكن الناس يأبهون لما يظهر في غيرهما؛ فكانت تسقط أخبار الوضاعين في الأمصار لذلك، إلا قليلًا يأتي عن بعض علماء البلدين، كالذي ذكره الأصمعي، قال: أقمت بالمدينة زمانًا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة، إلا مصحفة أو مصنوعة؛ وكان بها ابن دأب يضع الشعر وأحاديث السمر وكلامًا ينسبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه وخبت روايته؛ وهو عيسى بن يزيد، يكنى أبا الوليد، وكان شاعرًا وعلمه بالأخبار أكثر.

ولما فشا أمر الصنعة في الشعر، جعل المتأخرين يضعون القصيد والرجز وينسبونه لمن اشتهروا بالوضع من المتقدمين، كخلف؛ أو بالاتساع في الرواية، كالأصمعي؛ لأن من أجاز على الناس أجاز الناس عليه.

وما ظالم إلا سيبلى بأظلم

وأخذ القصاص أيضًا في هذه الناحية، فصنعوا الأخبار الكثيرة وأسندوها إلى علماء الأنساب والأخباريين، ليعطوها بذلك معنى التاريخ الذي تثبته الرواية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015