عباس، وساق السيوطي جميعها في "الإتقان" إلا بضعة عشر سؤالًا- فكان هذا الصنيع من ابن عباس داعيا إلى اعتبار اللغة اعتبارا علميا؛ إذ نظر إلى لغات العرب من وجه واحد واعتبرها مادة واحدة في الاستشهاد، وسمى هذه المادة "لغة العرب".

ولما وضع أبو الأسود النحو وأطلق عليه لفظ "العربية"1 -وكان الناس يختلفون إليه يتعملونه منه وهو يفرع لهم ما كان أصّله، وشاع ذلك. وكان الغرض منه صيانة اللسان من الخطأ، وتقويمه من الزيغ، ورد السليقة إلى حدود الفطرة التي خرجت عنها- ظهر ذلك المعنى اللغوي في الشكل اصطلاحي، ولكن لم يتميز من اللغة بالتعريف إلا العويص النافر منها الذي يعلو عن طبقة الحضريين ومن ضعفت ملكاتهم، فكان هذا وأشباهه كأنه غريب عليهم خارج عما ألفه سوادهم من تصاريف القول، بعد أن أطبق الناس على اللغة القرشية الفصحى، ولذلك اصطلح أهل العربية يومئذ على تسميته "بالغريب" وهو أول معاني الدلالة اللغوية.

وكان أبو الأسود قد روى الشعر وتتبع كلام العرب واستقصى في ذلك وبالغ2 ومع ذلك فلم يسم علم هذا الكلام "باللغة"، ولم يعرف في زمنه إلا "العربية" للنحو وإلا "الغريب" لمثل ما يسميه المتأخرون بالكلام اللغوي ...

نقل الجاحظ في "البيان" أن غلامًا كان يقعر في كلامه، فأتى أبا الأسود يلتمس بعض ما عنده، فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟

قال: أخذته الحمى، فطبخته طبخًا، وفنخته فنخًا، وفضخته فضخًا، فتركتعه فرخًا!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015