أساتذتها حديثًا في الأدب لا يعرفه الرافعي ... وأيقن الرافعي من يومئذ أنه شيء ... فلبث يتربص.
وطال انتظار الرافعي وما استطاعت الجامعة أن تثبت له أن فيها دروسًا للأدب، وما استطاع الرافعي أن يقنع نفسه بأن في الجامعة أساتذة يدرسون الأدب، فكتب مقالًا في "الجريدة" يحمل فيه على الجامعة وعلى أساتذة الجامعة وعلى منهج الأدب في الجامعة. ورن المقال رنينه وأحدث أثره، فاجتمعت اللجنة الفنية للجامعة وسبقت بين الأدباء جائزة -مائة جنيه- لتأليف كتاب في "أدبيات اللغة العربية" وكذلك كانوا يسمونها- وضربت أجلًا لتأليف الكتاب سبعة أشهر.
وقرأ الرافعي دعوة الجامعة فلم يرض ولم تهدأ نفسه، فكتب مقالًا ثانيًا في الجريدة، ينعت فيه الجامعة ولجنة الجامعة، ويتأبى على الدعوة التي دعت، ويقرر أن الذين دعوا الدعوة، إلى وضع الكتاب وجعلوا لذلك العمل إلى فصاله سبعة أشهر إنما مست بهم الحاجة إلى كتاب وأعوزهم مؤلفه فالتمسوه بتلك الدعوة يفتشون عنه في ضوء الجائزة.
"إنهم على الأغلب سيعهدون بتدريس الكتاب لغير مؤلفه، فيكون الحاضر لديهم كالغائب عنهم، ولا فضل لدارهم إلا أنها مصدر التلقين، فإذا طبع الكتاب صارت كل مكتبة في حكم الجامعة؛ لأن العلم هو الكتاب لا الذي يلقيه، وإلا ما بالهم لا يعهدون بالتأليف لمن سيعهدون إليه بالتدريس؟ وهل يقتصرون على أن يكون من كفاية الأستاذ القدرة على إلقاء درسه دون القدرة على استنباط الدرس واستجماع مادته حتى لا يزيد على أن يكون هو بين تلامذته التلميذ الكبير" ... !
"لم تنفض إدارة الجامعة يدها من قوم رؤساء الصناعة وظهور مناصبها العالية وألسنة الحكم فيها، ثم تلتمس من ضعف الأفراد ما لم تؤمله في قوة الجماعة وهي تعلم أن الحمل الذي تتوزعه الأكف يهون على الرقاب"1.
ومضى الرافعي يتجنى ويتدلل، وعادت الجامعة تفكر في الأمر؛ ثم أعادت نشر المسابقة لتأليف الكتاب، وزادت الجائزة إلى مائتين والمدة إلى سنتين وتعهدت بطبع الكتاب المختار، وتأهب الرافعي لتأليف كتابه.
انقطع الرافعي لتأليف هذا الكتاب في منتصف 1909، وفرغ منه وأتم طبعه في سنة 1911 قبل أن يحل الأجل الذي فرضته الجامعة، ولم يكن الرافعي طامعًا في جائزة الجامعة، ولذلك لم يتقدم لها بكتابه، ترفعًا عن قبول الحكم فيه لجماعة ليس منهم من هو أبصر منه بالمحكوم فيه! ولعله كان يؤمل يومئذ أملًا أكبر من الحصول على جائزة الجامعة.
وكان أسبق المؤلفات ظهورًا لدعوة الجامعة، الجزء الأول من كتاب جورج زيدان، ثم هذا الكتاب الذي بين أيدينا، سبقه ذاك بشهر أو شهرين سبقًا مطبعيا2.