لكان ابن عباس نفسه صاحب السبعين الأولى في الإسلام؛ أما إن كان الخبر من أكاذيب عكرمة، فيكون قد وصف به أستاذه ابن عباس أصدق الوصف.
ثم كان بعد ابن عباس الشعبي من التابعين، وكان يقول: ما كتبت سوادًا في بياض إلى يومي هذا، ولا حدثني أحد بحديث قط إلا حفظته! وفساد الحفظ في كثير من طبقة التابعين، وإنما نوهنا بالشعبي لأنه أوحدهم في حفظ الأدب، كما أنه أوحدهم في حفظ الحديث؛ وقد صار في التفنن مثلًا دائرًا على الألسنة، وكان يقول: لست لشيء من العلوم أقل رواية من الشعر، ولو شئت لأنشدت شهرًا ثم لا أعيد بيتًا واحدا.
وما أظلهم القرن الثاني حتى كثر الحفاظ واتسعوا في فنون المحفوظ، وخاصة بعد أن نشأ الإسناد واشتغلوا بطرقه؛ والإسناد إنما يعتبر به اتصال السماع، فهو راجع إلى التلقي والتلقين، ونحن نرى أن لولا حفظ الحديث ما اشتغلوا بالإسناد، ولولا الإسناد ما ثبتوا على الحفظ، وقد وجدا في الرواية جميعًا وذهبا جميعًا.
وبعد، فقد كان التدبير عندما أجمعنا النية على كتابة هذا الفصل؛ أن نفيض في ذكر الحفاظ جيلًا بعد جيل إلى سقوط الرواية، ثم نستقصي أسماء من اشتهروا منهم بعد ذلك إلى هذه الغاية ممن وقفنا على أخبارهم في بطون الكتب، ولكنا رأينا الشوط بطينًا والمادة حافلة وفي دون ذلك بلاغ، فاجتزأنا بالنتف والنوادر مما يتعلق بالأدب دون الحديث1؛ تفاديًا من أن يعد ذلك منا في الحشد