فهذه كلها شعائرهم وسماتهم وأغلبها عليهم اتخاذ الإبل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها الارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها. فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين. كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر لما كان معاشهم فيها فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه الا بالعرض ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الأكثر وفي بعضهم خفيّا على الجمهور. وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب إلا أنهم في الغالب يكونون أقرب الى الأولين من غيرهم. وهذا الانتقال لا يكون إلّا في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة.

ولذلك يعرض في الأنساب ما يعرض من الجهل والخفاء.

واعلم أنّ جيل العرب بعد الطوفان وعصر نوح عليه السلام كان في عاد الأولى وثمود والعمالقة وطسم وجديس وأميم وجرهم وحضرموت ومن ينتمي إليهم من العرب العاربة من أبناء سام بن نوح. ثم لما انقرضت تلك العصور وذهب أولئك الأمم وأبادهم الله بما شاء من قدرته وصار هذا الجيل في آخرين ممن قرب من نسبهم من حمير وكهلان وأعقابهم من التبابعة ومن إليهم من العرب المستعربة من أبناء عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. ثم لما تطاولت تلك العصور وتعاقبت وكان بنو فالغ بن عابر أعالم من بين ولده واختص الله بالنّبوّة منهم إبراهيم بن تارخ [1] وهو آزر بن ناحور بن ساروخ بن أرغو بن فالغ وكان من شأنه مع نمروذ ما قصّه القرآن. ثم كان من هجرته الى الحجاز ما هو مذكور، وتخلف ابنه إسماعيل مع أمه هاجر بالحجر قربانا للَّه، ومرّت بها رفقة من جرهم في تلك المفازة فخالطوها ونشأ إسماعيل بينهم، وربّي في أحيائهم، وتعلم لغتهم العربية بعد أن كان أبوه أعجميا. ثم كان بناء البيت كما قصه القرآن، ثم بعثه الله الى جرهم والعمالقة الذين كانوا بالحجاز فآمن كثير منهم واتبعوه.

ثم عظم نسله وكثر وصار بالجيل آخر من ربيعة ومضر ومن إليهم من إياد وعك وشعوب نزار وعدنان وسائر ولد إسماعيل وهم العرب التابعة للعرب. ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويلة وانقرض ما كان لهم من الدولة في الإسلام وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة وبقي خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الأرض تارة والعمران تارة. وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشام والعراق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015