أوصى بذلك لابن عمّه عليّ، وامتنع الجماعة من قبول ذلك، وأبوا إلّا الاجتهاد في تعيينه، فمضى على ذلك السّلف في دولة بني أميّة التي استفحل الملك والإسلام فيها، وتناقل التشيّع بتشعّب المذاهب، في استحقاق بني عليّ، وأيّهم يتعيّن له ذلك، حتى انساق مذهب من مذاهبهم إلى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس [1] ، فظهرت شيعته بخراسان، وملكوا تلك الأرض كلّها، والعراق بأسره.
ثم غلبوا على بني أميّة، وانتزعوا الملك من أيديهم، واستفحل ملكهم، والإسلام باستفحاله، وتعدّد خلفاؤهم. ثم خامر الدّولة ما يخامر الدّول من التّرف والراحة، ففشلوا. وكثر المنازعون لهم من بني عليّ وغيرهم، فظهرت دولة لبني جعفر الصّادق بالمغرب، وهم العبيديّون [2] بنو عبيد الله المهدي بن محمد، قام بها كتامة وقبائل البربر، واستولوا على المغرب ومصر، ودولة بني العلويّ بطبرستان، قام بها الدّيلم وإخوانهم الجيل، ودولة بني أمية النائية بالأندلس، لأن بني العبّاس لمّا غلبوهم بالمشرق، وأكثروا القتل فيهم، هرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، ونجا إلى المغرب. ثم ركب البحر إلى الأندلس، فاجتمع عليه من كان هنالك من العرب وموالي بني أميّة، فاستحدث هنالك ملكا آخر لهم، وانقسمت الملّة الإسلامية بين هذه الدّول الأربع إلى المائة الرابعة. ثم انقرض ملك العلويّة من طبرستان [3] ، وانتقل إلى الدّيلم، فاقتسموا خراسان وفارس والعراق، وغلبوا على بغداد، وحجر الخليفة بها بنو بويه منهم [4] . وكان بنو سامان- من أتباع بني طاهر- قد تقلّدوا عمالات ما وراء النّهر، فلمّا فشل أمر الخلافة استبدّوا بتلك النّواحي، وأصاروا لهم فيها ملكا ضخما [5] ، وكان آخرهم محمود بن سبكتكين من مواليهم، فاستبدّ عليهم، وملك خراسان، وما وراء النّهر إلى الشّاش، ثم