الاشتغال بالعلم، تأليفا وتدريسا، والسلطان يولّي في الوظيفة من يراه أهلا متى دعاه إلى ذلك داع، من موت القائم بالوظيفة، أو عزله، وكان يراني الأولى بذلك، لولا وجود الذين شغّبوا من قبل في شأني، من أمراء دولته، وكبار حاشيته، حتى انقرضوا. واتفقت وفاة قاضي المالكيّة إذ ذاك ناصر الدين بن التّنسي [1] ، وكنت مقيما بالفيّوم لضمّ زرعي هنالك، فبعث عنّي، وقلّدني وظيفة القضاء في منتصف رمضان من سنة إحدى وثمانمائة، فجريت على السّنن المعروف مني، من القيام بما يجب للوظيفة شرعا وعادة، وكان رحمه الله يرضى بما يسمع عنّي في ذلك. ثم أدركته الوفاة في منتصف شوال بعدها، وأحضر الخليفة والقضاة والأمراء، وعهد إلى كبير أبنائه فرج، ولإخوته من بعده واحدا واحدا، وأشهدهم على وصيّته بما أراد. وجعل القائم [2] بأمر ابنه في سلطانه إلى أتابكه ايتمش [3] ، وقضى رحمة الله عليه، وترتّبت الأمور من بعده كما عهد لهم، وكان النائب بالشام يومئذ أمير من خاسكية السلطان يعرف بتنم [4] ، وسمع بالواقعات بعد السلطان فغصّ أن لم يكن هو كافل ابن الظّاهر بعده، ويكون زمام الدّولة بيده. وطفق سماسرة الفتن يغرونه بذلك، وبينما هم في ذلك إذ وقعت فتنة الأتابك [5] أيتمش، وذلك أنّه كان للأتابك دوادار غرّ يتطاول إلى الرئاسة، ويترفّع على أكابر الدّولة بحظّه من أستاذه، وما له من الكفالة على السلطان، فنقموا حالهم مع هذا الدّوادار، وما يسومهم به من التّرفّع عليهم، والتّعرض لإهمال نصائحهم، فأغروا السلطان