تاريخ ابن خلدون (صفحة 4724)

للمواصلة والإعانة متى دعا إليها داع. وكان صلاح الدين بن أيوب هادي يعقوب المنصور ملك المغرب من بني عبد المؤمن، واستجاش به بأسطوله في قطع مدد الفرنج عن سواحل الشّام حين كان معنيّا بإرجاعهم عنها، وبعث في ذلك رسوله عبد الكريم بن منقذ [1] من أمراء شيزر [2] ، فأكرم المنصور رسوله، وقعد عن إجابته في الأسطول لما كان في الكتاب إليه [3] من العدول عن تخطيطه [4] بأمير المؤمنين، فوجدها غصّة في صدره منعته من إجابته إلى سؤاله، وكان المانع لصلاح الدّين من ذلك كاتبه الفاضل عبد الرحيم البيساني [5] بما كان يشاوره في أموره، وكان مقيما لدعوة الخليفة العبّاسي بمصر، فرأى الفاضل أن الخلافة لا تنعقد لاثنين في الملّة كما هو المشهور، وإن اعتمد أهل المغرب سوى ذلك، لما يرون أن، الخلافة ليست لقبا فقط، وإنما هي لصاحب العصبية القائم عليها بالشدّة والحماية، والخلاف في ذلك معروف بين أهل الحقّ. فلما انقرضت دولة الموحّدين، وجاءت دولة بني مرين من بعدهم، وصار كبراؤهم ورؤساؤهم يتعاهدون قضاء فرضهم لهذه البلاد الشرقيّة، فيتعاهدهم ملوكها بالإحسان إليهم، وتسهيل طريقهم، فحسن في مكارم الأخلاق انتحال البرّ والمواصلة، بالاتحاف والاستطراف والمكافأة في ذلك بالهمم الملوكية، فسنّت لذلك طرائق وأخبار مشهورة، من حقّها أن تذكر، وكان يوسف ابن يعقوب بن عبد الحقّ ثالث ملوك بني مرين، أهدى لصاحب مصر عام سبعمائة [6] ، وهو يومئذ النّاصر بن محمد بن قلاون، هدية ضخمة، أصحبها كريمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015