وكثر الدعاء واللّجأ إلى الله. واجتمع أكابر الأمر إلى السلطان، وفاوضوه في كفّ عاديتهم، فأمرهم بالركوب، ونادى في جنده ورعيته بانطلاق الأيدي عليهم، والاحتياط بهم في قبضة القهر، فلم يكن إلا كلمح البصر، وإذا بهم في قبضة الأسر. ثم عمّرت بهم السّجون، وصفّدوا وطيف بهم على الجمال ينادي بهم، إبلاغا في الشهرة، ثم وسّط [1] أكثرهم، وتتبّع البقيّة بالنّفي والحبس بالثغور القصيّة، ثم أطلقوا بعد ذلك. وكان فيمن أطلق جماعة منهم بحبس الكرك: فيهم برقوق الّذي ملك أمرهم بعد ذلك، وبركة الجوباني [2] ، وألطنبغا الجوباني [3] وجهركس الخليلي.
وكان طشتمر [4] ، دوادار يلبغا [5] ، قد لطف محلّه عند السلطان الأشرف، وولي الدّوادارية له، وكان يؤمّل الاستبداد كما كان أستاذه يلبغا، فكان يحتال في ذلك يجمع هؤلاء المماليك اليلبغاويّة من حيث سقطوا، يريد بذلك اجتماعهم عصبة له على هواه، ويغري السلطان بها شفاها ورسالة، إلى أن اجتمع أكثرهم بباب السّلطان الأشرف، وجعلهم في خدمة ابنه عليّ وليّ عهده. فلما كثروا، وأخذتهم أريحيّة العزّ بعصبيّتهم، صاروا يشتطّون على السّلطان في المطالب، ويعتزّون بعصبية اليلبغاوية.
واعتزم السلطان الأشرف عام سبعة وسبعين وسبعمائة على قضاء الفرض، فخرج لذلك خروجا فخما، واستناب ابنه عليّا على قلعته وملكه في كفالة قرطاي [6] من أكابر اليلبغاوية، وأخرج معه الخليفة والقضاة، فلما بلغ العقبة [7] اشتطّ المماليك في