تاريخ ابن خلدون (صفحة 4693)

تصديقا بأن الله يؤوه يوم القيامة إلى ظلاله المستجنّة، ونافس في اتخاذ المدارس والرّبط لتعليم الكتاب والسنّة، وبناء المساجد المقدّسة يبني له بها الله البيوت في الجنّة، والله لا يضيّع عمل عامل فيما أظهره أو أكنّه.

وإنّ ما أنتجته قرائح همّته وعنايته، وأطلعته آفاق عدله وهدايته، ووضحت شواهده على بعد مداه في الفخر وغايته، ونجح مقاصده في الدين وسعايته، هذا المصنع الشّريف، والهيكل الهمم البشرية ترتيبه ورصفه، لا! بل الكلم السّحرية تمثيله ووصفه وشمخ بمطاولة السّحب ومناولة الشهب مارنه [1] العزيز وأنفه، وازدهى بلبوس السّعادة والقبول من الله عطفه، إن فاخر بلاط الوليد، كان له الفخار، أو باهى القصر والإيوان، شهد له المحراب والمنار، أو ناظر صنعاء وغمدان، قامت بحجّته الآثار. إنما هو بهو ملؤه دين وإسلام، وقصر عليه تحية وسلام، وفضاء ربّاني ينشأ في جوّه للرّحمة والسّكينة ظلّة وغمام، وكوكب شرق يضاحك وجه الشّمس منه ثغر بسّام، دفع إلى تشييد أركانه، ورفع القواعد من بنيانه، سيف دولته الّذي استلّه من قراب ملكه وانتضاه، وسهمه الّذي عجم عيدان كنانته فارتضاه، وحسام أمره الّذي صقل فرنده [2] بالعز والعزم وأمضاه، وحاكمه المؤيّد الّذي طالب غريم الأيام، بالأمل العزيز المرام، فاستوفى دينه واقتضاه، الأمير الأعزّ الأعلى جهركس [3] الخليلي أمير الماخورية باسطبله المنيع. حرسه الله من خطوب الأيام، وقسم له من عناية السلطان أوفر الحظوظ والسّهام، فقام بالخطو الوساع، لأمره المطاع، وأغرى بها أيدي الإتقان والإبداع. واختصّها من أصناف الفعلة بالماهر الصّناع، يتناظرون في إجادة الأشكال منها والأوضاع، ويتناولون الأعمال بالهندام إذا توارت عن قدرتهم بالامتناع، فكأنّ العبقريّ [4] ، يفري- الفريّ [5] ، أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015