الأثر مشيّعا من الكافة بالأسد والدّعاء، وحميد الثّناء، تلحظني العيون بالرحمة وتتناجى الآمال في بالعودة، ورتعت فيما كنت راتعا فيه قبل من مراعي نعمته وظلّ رضاه وعنايته بالعافية التي سألها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ربّه، عاكفا على تدريس علم أو قراءة كتاب أو إعمال قلم في تدوين أو تأليف، مؤمّلا من الله قطع صبابة العمر [1] في العبادة، ومحو عائق السعادة، بفضل الله ونعمته.
ثم مكثت بعد العزل ثلاث سنين، واعتزمت على قضاء الفريضة، فودّعت السلطان والأمراء وزودوا وأعانوا فوق الكفاية، وخرجت من القاهرة منتصف رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة إلى مرسي الطور [2] بالجانب الغربي من بحر السويس، وركبت البحر من هنالك عاشر الفطر، ووصلنا إلى الينبع [3] لشهر فوافينا المحمل، ورافقتهم من هنالك إلى مكة، ودخلتها ثاني ذي الحجّة، فقضيت الفريضة في هذه السنة.
ثم عدت إلى الينبع فأقمت بها خمسين ليلة حتى تهيّأ لنا ركوب البحر، ثم سافرنا إلى أن قاربنا مرسى الطور، فاعترضتنا الرياح فما وسعنا إلّا قطع البحر إلى جانبه الشرقي، ونزلنا بساحل القصير [4] ثم بذرقنا، ثم سرنا مع أعراب تلك الناحية إلى مدينة قوص [5] قاعدة الصعيد، فأرحنا بها أياما، ثم ركبنا في بحر النيل إلى مصر، فوصلنا إليها لشهر من سفرنا، ودخلتها في جمادى سنة تسعين وسبعمائة وقضيت حقّ السلطان في لقائه، وإعلامه بما اجتهدت فيه من الدعاء له، فتقبّل ذلك بقبول حسن، وأقمت فيما عهدت من رعايته وظلّ إحسانه.