تاريخ ابن خلدون (صفحة 4670)

كتب خامس عشر صفر المبارك من سنة ستّ وثمانين وسبعمائة حسب المرسوم الشريف. الحمد للَّه وصلواته على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم.

ثم هلك بعض المدرّسين بمدرسة القمحية [1] بمصر، من وقف صلاح الدّين بن أيّوب، فولّاني تدريسها مكانه [2] ، وبينا أنا في ذلك، إذ سخط السلطان قاضي المالكية [3] في دولته، لبعض النّزعات فعزله، وهو رابع أربعة بعدد المذاهب، يدعى كلّ منهم قاضي القضاة، تمييزا عن الحكّام بالنّيابة عنهم، لاتّساع خطّة هذا المعمور، وكثرة عوالمه، وما يرتفع من الخصومات في جوانبه، وكبير جماعتهم قاضي الشّافعية، لعموم ولايته في الأعمال شرقا وغربا، وبالصّعيد [4] والفيوم [5] ، واستقلاله بالنّظر في أموال اليتامى والوصايا، ولقد يقال بأنّ مباشرة السلطان قديما بالولاية إنّما كانت تكون له.

فلما عزل هذا القاضي المالكيّ سنة ست وثمانين وسبعمائة اختصّني السلطان بهذه الولاية تأهيلا لمكاني وتنويها بذكري وشافهته بالتفادي من ذلك، فأبى إلّا إمضاءه وخلع عليّ بإيوانه وبعث من كبار الخاصّة من أقعدني بمجلس الحكم بالمدرسة الصالحية بين القصرين، فقمت بما دفع إليّ من ذلك المقام المحمود ووفّيت جهدي بما آمنني عليه من أحكام الله، لا تأخذني في الله لومة، ولا يرغبني عنه جاه ولا سطوة مسوّيا بين الخصمين، آخذا بحقّ الضعيف من الحكمين، معرضا عن الشفاعات والوسائل من الجانبين جانحا إلى التثبّت في سماع البينات، والنظر في عدالة المنتصبين لتحمّل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015