ترك من عياله وولده بفاس، خير خلف في قضاء حاجاتهم وإدرار أرزاقهم، من المتولّين لها، والاستخدام لهم. ثم فسد ما بين الطاغية وبينه، قبل ظفره بملكه، برجوعه عما اشترط له من التجافي عن حصون المسلمين التي تملّكها بالإجلاب، ففارقه إلى بلاد المسلمين باستجة [1] وكتب إلى عمر بن عبد الله يطلب مصرا ينزله من أمصار الأندلس الغربيّة التي كانت ركابا لملوك المغرب في جهادهم. وخاطبني أنا في ذلك، فكنت له نعم الوسيلة عند عمر، حتى تمّ قصده من ذلك، وتجافى له عن رندة وأعمالها، فنزلها وتملّكها، وكانت دار هجرته، وركاب فتحه، وملك منها الأندلس أواسط ثلاث وستين وسبعمائة واستوحشت أنا من عمر إثر ذلك كما مرّ، وارتحلت إليه معوّلا على سوابقي عنده، فقرّب في المكافآت كما نذكره إن شاء الله تعالى.
ولما أجمعت الرحلة إلى الأندلس بعثت بأهلي وولدي إلى أخوالهم بقسنطينة، وكتبت لهم إلى صاحبها السلطان أبي العبّاس من حفدة السلطان أبي يحيى، وبأني أمرّ على الأندلس وأجيز عليه من هنالك. وسرت إلى سبتة فرضة المجاز، وكبيرها يومئذ الشريف أبو العبّاس أحمد بن الشريف الحسني، ذو النسب الواضح السالم من الريبة عند كافة أهل المغرب، انتقل سلفه إلى سبتة من صقلّيّة. وأكرمهم بنو العزفي أوّلا وصاهروهم. ثم عظم صيتهم في البلد فتنكّروا لهم وغرّبهم يحيى العزفي آخرهم إلى الجزيرة، فاعترضتهم مراكب النصارى في الزقاق [2] فأسروهم. وانتدب السلطان أبو سعيد إلى فديتهم رعاية لشرفهم، فبعث إلى النصارى في ذلك فأجابوه. وفادى هذا الرجل وأباه على ثلاثة آلاف دينار، ورجعوا إلى سبتة، وانقرض بنو العزفي