تاريخ ابن خلدون (صفحة 4544)

سدّ به خلّته، وصان عن سؤال الناس وجهه، وكان له عفا الله عنه كلف بعلم الكيمياء، طالبا لمن غلط في ذلك وأمثاله [1] . فلم يزل يعاني من ذلك ما يورّطه مع الناس في دينه وعرضه إلى أن دعته الضرورة للترحّل عن مصر، ولحق ببغداد وناله مثل ذلك. فلحق بماردين [2] واستقرّ عند صاحبها، فأحسن جواره إلى أن بلغنا بعد التسعين أنه هلك هنالك حتف أنفه والبقاء للَّه وحده.

(ومنهم شيخ التعاليم) أبو عبد الله محمد بن النجّار من أهل تلمسان، أخذ العلم ببلده عن مشيختها، وعن شيخنا الأيلّي وبرّز عليه. ثم ارتحل إلى المغرب فلقي بسبتة إمام التعاليم أبا عبد الله محمد بن هلال شارح المجسطيّ في الهيئة، وأخذ بمراكش عن الإمام أبي العبّاس بن البنّاء، وكان إماما في علم النجامة وأحكامها، وما يتعلّق بها، ورجع إلى تلمسان بعلم كثير، واستخلصته الدولة. فلمّا هلك أبو تاشفين وملك السلطان أبو الحسن نظمه في جملته وأجرى له رزقه، فحضر معه بإفريقية وهلك في الطاعون.

(ومنهم) أبو العبّاس أحمد بن شعيب [3] من أهل فاس، برع في الأدب واللسان والعلوم العقلية، من الفلسفة والتعاليم والطب وغيرها. ونظمه السلطان أبو سعيد في جملة الكتّاب وأجرى عليه رزق الأطبّاء لتقدّمه فيه، فكان كاتبه وطبيبه، وكذا مع السلطان أبي الحسن بعده، فحضر بإفريقية وهلك بها في ذلك الطاعون. وكان له شعر سابق به الفحول من المتقدّمين والمتأخّرين، وكانت له إمامة في نقد الشعر وبصر به، وما حضرني الآن من شعره إلا قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015