تاريخ ابن خلدون (صفحة 4540)

والأوامر، فتقدّم لذلك سنة ثمان عشرة وسبعمائة، ولم يزل عليها سائر أيام السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن. وسار مع أبي الحسن إلى إفريقية، وتخلّف عن واقعة القيروان بتونس، لما كان به من علّة التقرس. فلمّا كانت الهيعة بتونس، ووصل خبر الواقعة، وتحيّز أولياء السلطان إلى القصبة مع حرمه، تسرّب عبد المهيمن في المدينة منتبذا عنهم، وتوارى في بيتنا خشية أن يصاب معهم بمكروه. فلمّا انجلت تلك الغيابة، ورجع السلطان من القيروان إلى سوسة وركب منها البحر إلى تونس، أعرض عن عبد المهيمن لما سخط غيبته عن قومه بالقصبة، وجعل العلامة لأبي الفضل ابن الرئيس عبد الله بن أبي مدين [1] وقد كانت من قبل مقصورة على هذا البيت، وأقام عبد المهيمن عطلا من العمل شهرا [2] . ثم أعتبه السلطان ورضي عنه، وردّ إليه العلامة كما كان، ثم توفي لأيام قلائل بتونس بالطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة ومولده سنة خمس وسبعين وستمائة من المائة قبلها، وقد استوعب ابن الخطيب التعريف به في تاريخ غرناطة، فليطالع هناك من أحبّ الوقوف عليه.

(وأمّا ابن رضوان) الّذي ذكره الرّحويّ في قصيدته، فهو أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان البحاري [3] أصله من الأندلس، نشأ بمالقة، وأخذ عن مشيختها، وحذق في العربية والأدب، وتفنّن في العلوم ونظم ونثر، وكان مجيدا في الترسيل، ومحسنا في كتابة الوثائق. وارتحل بعد واقعة طريف ونزل سبتة، ولقي بها السلطان أبا الحسن [4] ومدحه وأجازه، واختصّ بالقاضي إبراهيم بن يحيى [5] وهو يومئذ قاضي العساكر وخطيب السلطان، وكان يستنيبه في القضاء والخطابة، ثم نظمه في جملة الكتّاب بباب السلطان. واختصّ بخدمة عبد المهيمن رئيس الكتّاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015