وأمّا الأيلّي واسمه محمد بن إبراهيم فمنشؤه بتلمسان، وأصله من جالية الأندلس من أهل أيلّة من بلد الجوف [1] منها، أجاز بأبيه وعمه أحمد، فاستخدمهم يغمراسن ابن زيّان وولده في جندهم، وأصهر إبراهيم منهما إلى القاضي بتلمسان محمد بن غلبون في ابنته، فولدت له محمدا هذا. ونشأ بتلمسان في كفالة جدّه القاضي، فنشأ له بذلك ميل إلى انتحال العلم عن الجنديّة التي كانت منتحل أبيه وعمّه. فلما أيفع وأدرك سبق إلى ذهنه محبّة التعاليم، فبرز بها واشتهر وعكف الناس عليه في تعلّمها، وهذا في سنّ البلوغ. ثم أظل السلطان يوسف بن يعقوب وخيّم عليها يحاصرها، وسيّر العساكر إلى الأعمال، فافتتح أكثرها. وكان إبراهيم الأيلّي قائدا بهنين مرسى تلمسان في لجّة من الجند، فلمّا ملكها يوسف بن يعقوب اعتقل من وجد بها من أشياع بني عبد الواد [2] واعتقل إبراهيم الأيلّي، وشاع الخبر في تلمسان بأنّ يوسف ابن يعقوب يسترهن أبناءهم ويطلقهم، فتشوّف ابنه محمد إلى اللحاق بهم من أجل ذلك. وأغراه أهله بالعزم عليه، فتسوّر الأسوار وخرج إلى أبيه فلم يجد خبر الاسترهان صحيحا. واستخدمه يوسف بن يعقوب قائدا على الجند الأندلسيين بتاوريرت، فكره المقام على ذلك، ونزع عن طوره، ولبس المسوح، وسار قاصدا إلى الحجّ. وانتهى إلى رباط العبّاد [3] مختفيا في صحبة الفقراء، فوجد هنالك رئيسا من أهل كربلا [4] من بني الحسين جاء إلى المغرب يروم إقامة دعوته فيه، وكان مغفلا [5] ، فلما رأى عساكر يوسف بن يعقوب وشدّة غلبه أيس من مرامه ونزع عن ذلك، واعتزم على الرجوع إلى بلده، فسار شيخنا محمد بن إبراهيم في جملته.
قال رحمه الله: وبعد حين انكشف لي حاله وما جاء له، واندرجت في جملته