تاريخ ابن خلدون (صفحة 3968)

وقصدوا باب الجزيرة فكبّروا قباله [1] . وثار أهل البلد جميعا بهم فحاصروا بساحتهم من البلد [2] بعد عصب الريق، ومضى الجند في اتباعهم فأدرك أحمد بن اليالقي فقتل وسيق رأسه إلى السلطان. وتقبّض على الأمير خالد واعتقل، ونجا العلج منصور سريحة برأس طمرة [3] وخام وذهل عن القتال دون الأحبة. ودخل السلطان القصر واقتعد أريكته، وانطلقت أيدي العيث في ديار أهل الدولة فاكتسحت ما كان الناس يضطغنون عليهم تحاملهم على الرعيّة واغتصاب أموالهم، واضطرمت نار العيث في دورهم ومخلّفهم فلم تكد أن تنطفئ ولحق بعض أهل العافية معرات من ذلك لعموم النهب وشموله حتى أطفأه الله ببركات [4] السلطان وجميل نيّته وسعادة أمره. ولاذ الناس منه بالملك الرحيم والسلطان العادل، وتهافتوا عليه تهافت الفراش على الذبال يلثمون أطرافه، ويجدّون بالدعاء له ويتنافسون في انتقاس مجيده [5] الى أن غشيهم الليل ودخل السلطان قصوره وخلا بما ظفر من ملك آبائه، وبعث بالأمير خالد في الأسطول إلى قسنطينة، فعصفت به الريح وانخرقت السفينة وترادفت الأمواج إلى أن هلك [6] . واستبدّ السلطان بأمره وعقد لأخيه الأمير أبي يحيى زكريا. على حجابته. ورعى لابن تافراكين حق انحياشه إليه ونزوعه فجعله رديفا لأخيه واستمرّ الأمر على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.

(الخبر عن انتقاض منصور بن حمزة واجلابه بالعمّ أبي يحيى زكريا على الحضرة وما كان عقب ذلك من نكبة ابن تافراكين)

كان منصور بن حمزة هذا أمير البلد من بني سليم بما كان سيّد بني كعب. وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015