تاريخ ابن خلدون (صفحة 3436)

وأمّا من حمير بن سبإ فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والأفخاذ والعشائر والأحلاف. هؤلاء كلّهم أنفقتهم الدولة الإسلامية العربية، فنبا منهم الثغور والقصيّة، وأكلتهم الأقطار المتباعدة، واستلحمتهم الوقائع المذكورة، فلم يبق منهم حيّ يطرف، ولا حلّة تنجع ولا عشير يعرف، ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية، ولا عصابة بصريخ إلّا سمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرّقين في الأمصار التي ألخموها بجملتهم، فتقطّعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولا للأمراء، وريبا للواسد وعالة على الحرب. وقام بالإسلام والملّة غيرهم، وصار الملك والأمر في أيدي سواهم، وجلبت بضائع العلوم والصنائع إلى غير سوقهم، فغلب أعاجم المشرق من الديلم وانسلخوا فيه والأكراد والعرب والترك على ملكه ودولته [1] فلم يزل مناقلة فيهم إلى هذا العهد. وغلب أعاجم المغرب من زناتة والبربر على أمره أيضا، فلم تزل الدول تتناقل فيهم على ما نذكره بعد إلى هذا العهد. وغلب أعاجم المغرب والبربر على أمره، وانقرض أكثر الشعوب الذين كان لهم الملك من هؤلاء فلم يبق لهم ذكر. وانتبذ بقية هذه الشعوب من هذه الطبقة بالقفار وأقاموا أحياء بادين لم يفارقوا الحلل ولا تركوا البداوة والخشونة، فلم يتورطوا في مهلكة الترف ولا غرقوا في بحر النعيم، ولا فقدوا في غيابات الأمصار والحضارة ولهذا أنشد شاعرهم:

فمن ترك الحضارة أعجبته ... بأيّ رجال بادية ترانا [2]

وقال المتنبي يمدح سيف الدولة ويعرّض بذكر العرب الذين أوقع بهم لما كثر عيثهم وفسادهم:

وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا ... وأن نبتت في الماء نبت الغلافق [3]

فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه ... وأبدى بيوتا من أداحي النقانق [4] .

(وأقامت) هذه الأحياء في صحارى الجنوب من المغرب والمشرق بإفريقية ومصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015