تاريخ ابن خلدون (صفحة 2114)

أحوال المختار ما نقمه عليه، فكتب إليه بالبراءة منه فصار الى الدعاء لعبد الله بن الزبير. ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن عليّ بن الحسين الى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه، وخرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان فقتل وصلب كذلك، وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية، وقد تقدّم ذلك كلّه في أخبار الدولتين. ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلويّة وذهبوا طرائق قددا، فمنهم الإمامية القائلون بوصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بالإمامة، ويسمّونه الوصيّ بذلك، ويتبرءون من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم، وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسمّوا بذلك رافضة. ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل عليّ وبنيه على سائر الصحابة، وعلى شروط يشترطونها، وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان عليّ أفضل، وهذا مذهب زيد واتباعه، وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الانحراف والغلو. ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفيّة وبنيه من بعد الحسن والحسين ومن هؤلاء كانت شيعة بني العبّاس القائلون بوصيّة أبي هاشم بن محمد بن الحنفيّة إلى محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عبّاس بالإمامة. وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان. ولما صار أمر بني أمية الى اختلال، أجمع أهل البيت بالمدينة، وبايعوا بالخلافة سرّا لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنّى بن الحسن بن عليّ وسلّم له جميعهم. وحضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس وهو المنصور، وبايع فيمن بايع له من أهل البيت، وأجمعوا على ذلك لتقدّمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم، ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجّان إليه حين خرج من الحجاز، ويريدون أنّ إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل، وربّما صار إليه الأمر من عند الشيعة بانتقال الوصيّة من زيد بن عليّ. وكان أبو حنيفة يقول بفضله، ويحتج إلى حقّه فتأدّت إليهما المحنة بسبب أيام أبي جعفر المنصور، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره، وحبس أبو حنيفة على القضاء. (ولما انقرضت) دولة بني أميّة وجاءت دولة بني العبّاس، وصار الأمر لأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن، وأنّ محمد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015