لم يزل هذا الخليفة المستنصر ببغداد في النطاق الّذي بقي لهم بعد استبداد أهل النواحي كما قدّمنا. ثم انحل أمرهم من هذا النطاق عروة، وتملك التتر سائر البلاد.
وتغلّبوا على ملوك النواحي ودولهم أجمعين، ثم زاحموهم في هذا النطاق وملكوا أكثره، ثم توفي المستنصر سنة إحدى وأربعين لست سنة من خلافته، وبويع بالخلافة ابنه عبد الله ولقّب المستعصم، وكان فقيها محدّثا. وكان وزيره ابن العلقميّ رافضيّا، وكانت الفتنة ببغداد لا تزال متّصلة بين الشيعة وأهل السنّة، وبين الحنابلة وسائر أهل المذاهب، وبين العيّارين والدعّار والمفسدين مبدأ الأمراء الأول، فلا تتجدّد فتنة بين الملوك وأهل الدول، إلّا ويحدث فيها بين هؤلاء ما يعني أهل الدولة خاصّة زيادة لما يحدث منهم أيام سكون الدول واستقامتها، وضاقت الأحوال على المستعصم فأسقط أهل الجند وفرض أرزاق الباقين على البياعات والأسواق وفي المعايش. فاضطرب الناس وضاقت الأحوال وعظم الهرج ببغداد ووقعت الفتن بين الشيعة وأهل السنّة، وكان مسكن الشيعة بالكرخ في الجانب الغربي، وكان الوزير ابن العلقميّ منهم فسطوا بأهل السنّة، وأنفذ المستعصم ابنه أبا بكر وركن الدين الدوادار، وأمرهم بنهب بيوتهم بالكرخ، ولم يراع فيه ذمّة الوزير فآسفه ذلك، وتربّص بالدولة وأسقط معظم الجند يموه بأنه يدافع التتر بما يتوفّر من أرزاقهم في الدولة. وزحف هلاكو ملك التتر سنة اثنتين وخمسين إلى العراق وقد فتح الريّ وأصبهان وهمذان وتتّبع قلاع الإسماعيلية، ثم قصد قلعة الموت سنة خمس وخمسين فبلغه في طريقه كتاب ابن الموصلايا صاحب إربل وفيه وصية من ابن العلقميّ وزير المستعصم الى هلاكو يستحثه لقصد بغداد، ويهوّن عليه أمرها، فرجع عن بلاد الإسماعيلية وسار إلى بغداد واستدعى أمراء التتر فجاءه بنحو مقدّم العسكر ببلاد الروم، وقد كانوا ملكوها. ولما قاربوا بغداد برز للقائهم أيبك الدوادار في العساكر فانكشف التتر أوّلا وتذامروا فانهزم المسلمون واعترضتهم دون بغداد أو حال مياه من بثوق انتفثت من دجلة، فتبعهم التتر دونها وقتل الدوادار وأسر الأمراء الذين معه.
ونزل هولاكو بغداد وخرج إليه الوزير مؤيد الدين بن العلقميّ فاستأمن لنفسه ورجع